الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا۟ ٱلْفِتْنَةَ لَءَاتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا۟ بِهَآ إِلَّا يَسِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا ۝ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا ۝ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [سورة الأحزاب:14-17].

يخبر تعالى عن هؤلاء الذين يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا: أنهم لو دَخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة، وقُطْر من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة، وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعاً، وهم لا يحافظون على الإيمان، ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع.

هكذا فسرها قتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وابن جرير.

قال: وهذا ذم لهم في غاية الذم.

وبعضهم يقول كالضحاك: إن المقصود بالفتنة سُئِلُوا الْفِتْنَةَ يعني القتال للعصبية، وبعضهم يقول: يعني الوقيعة بين المسلمين، ونشر قالة السوء كما هي عادتهم، والإرجاف، والإيقاع بين أهل الإيمان يبغونهم الفتنة، فهم لا يترددون ولا يتأخرون، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا، ما فسره به ابن جرير - رحمه الله - ومن قال بقوله: أن المراد بذلك الكفر هو الأقرب - والله تعالى أعلم -، ويكون المراد أن الأحزاب لو دخلوا المدينة لتحول هؤلاء عن دينهم الذي أظهروه وهو الإسلام إلى الكفر وارتدوا على أدبارهم، موافقين لهؤلاء الغزاة الذين دخلوا المدينة، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا يعني: المدينة، ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا، في قراءة نافع وابن كثير لأتوها من الإتيان، والأول من الإيتاء بمعنى الإعطاء يعني أنهم يكفرون، وهنا يأتون الفتنة يعني راغبين، وهذا ظاهر في النفاق؛ لأنهم غير مؤمنين في الباطن فهم مع من غلب من أجل أن يحرزوا أموالهم ودماءهم، وليس من شأنهم حفظ الدين أو الدفاع عنه، وليسوا من أهل الثبات على الحق، ولهذا قال: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا، بعضهم يقول: أي المدينة، وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا الضمير يرجع إليها، يعني بعد إعطاء الكفر فإن الله يهلكهم، وهذا قال به جماعة من السلف كالحسن واختاره بعض أهل المعاني كالفراء، وَمَا تَلَبَّثُوا أي: المدينة، أن الله لا يقرهم ولا يبقيهم بل يهلكهم بعد كفرهم وردتهم، وعامة المفسرين يقولون: وَمَا تَلَبَّثُوا يعني: في إعطاء الكفر، بمعنى أنهم لا يتأخرون بل يبادرون ويسارعون بمجرد ما يطلب منهم ذلك، أو بمجرد دخول الأعداء المدينة، واقتحامهم لها، فلا يحتبسون عن ذلك ولا يحصل منهم تردد ولا تأخر وإنما يبادرون، بعضهم قال: إن المقصود بذلك الإيقاع بين المؤمنين، من فسر الفتنة بهذا قال: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا يعني: أنهم يسارعون في الفتنة، في إذكاء العداوة بين أهل الإيمان والإيقاع بهم، وإلقاء الأراجيف وما أشبه ذلك، لو طُلب منهم ذلك، ولا يعتذرون بأن بيوتهم عورة، يعني ينشطون في مثل هذه المقامات فيجدون أنفسهم فيها؛ لأن ذلك من شأنهم وعادتهم وأخلاقهم، - نسأل الله العافية -، وقوله: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا يحتمل أن المقصود أن الله يهلكهم ولا يبقون، وذِكْر القليل يعني وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا، هذا اليسير هل المقصود فعلاً أنهم يبقون مدة قليلة، وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا؟، إذا قلنا الإهلاك يعني ما يكون بقاؤهم إلا مدة قليلة، وبعضهم يقول: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا يعني إعطاء الفتنة أنهم لا يتأخرون ولا يترددون وإنما يبادرون، فذكر اليسير هنا والقليل من قبيل التهكم كما يعبر ابن عاشور، وكثيراً ما يذكر القليل واليسير ونحو ذلك ويكون كالعدم، والعرب تعبر بذلك أحياناً عما يكون كالعدم أو ما يشبه العدم.