يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا [سورة الأحزاب:20].
وهذا أيضاً من صفاتهم القبيحة في الجبن والخَوَر والخوف، يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا بل هم قريب منهم، وأن لهم عودة إليهم وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ أي: ويَوَدّون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية، يسألون عن أخباركم، وما كان من أمركم مع عدوكم.
قوله: يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا هذا يحتمل أنه يتصل بما قبله، يعني: فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ، يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا يعني باعتبار أن جراءتهم هذه وسلقهم على اعتقاد أن الأحزاب لم يذهبوا، لأنهم يمالئون الكفار ويعتزون بهم، حتى إن قوله: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا فُسر باعتبار أنهم يقولون لهم: هَلُمَّ إِلَيْنَا من أجل إذا دخل الأحزاب نحميكم، نقول: فلان ما شارك، فلان لم يكن معهم، فلان معنا، هَلُمَّ إِلَيْنَا، فكانوا يقطعون بدخول الأحزاب إلى المدينة، فيخذِّلون يقولون: انظموا إلينا من أجل إذا دخل الأحزاب نحميكم، فلا يحصل لكم مكروه، استبقوا على دمائكم، ابقوا على دمائكم وأموالكم.
فهنا يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ بعضهم يقول: يحتمل هذا المعنى، أنهم سلقوكم بألسنة حداد، لا زالوا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا، لكن هذا لا يخلو من بعد؛ لأن الله قال: فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ، متى يذهب الخوف؟ حينما يذهب العدو، فهم يستقبلونكم بهذا إذا ذهب، وعليه يكون قوله: يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا جملة استئنافية جديدة غير متصلة بما سبق، يعني يذكر صفة جديدة لهؤلاء، وحالاً من أحوالهم، لكنها غير مرتبطة بما سبق، يعني: أن من أوصافهم أنهم يسلقونكم بألسنة حداد، أنهم أشحة على الخير، وذكر من أحوالهم أنهم مع ذهاب الأحزاب لا زالوا غير مصدقين ولا متصورين أن الأحزاب سيرجعون هكذا، فهم حتى مع رحيل هذه الجيوش إلا أنهم يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا، وهذا هو الأقرب - والله تعالى أعلم - أنه غير مرتبط بقوله: سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ؛ لأن هذا إذا ذهب الخوف، فإذا كانوا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا فالخوف موجود.
وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ، يعني: مرة أخرى، فهم يتمنون لو كانوا بعيدين، أَنَّهُم بَادُونَ يعني في البادية يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ يعني: من بعيد لا يطالهم سوء ولا يحصل لهم مكروه.