الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ۝ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا سورة الأحزاب:21-22].

هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر - تبارك وتعالى - الناس بالتأسي بالنبي ﷺ يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ، - صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين -؛ ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا.

وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ﷺ؟ ولهذا قال: لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.

هنا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في عمله ﷺ وجهاده في الخندق وما إلى ذلك، بالإضافة إلى أحواله كلها ، فهو قدوة كاملة من كل وجه، ولما ذكر الله الأسوة بإبراهيم ﷺ قال: إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ [سورة الممتحنة:4]، فالاستثناء هناك يحتمل أن يكون من الأسوة، لكم فيه أسوة إلا في هذا، فيحتمل أن يكون من قبيل الاستثناء المنقطع هناك، بمعنى لكن قول إبراهيم لأبيه، فعلى القول بأن الاستثناء من الأسوة أخذ منه بعض أهل العلم أن ذلك من جملة الأدلة الدالة على أن النبي ﷺ أفضل من إبراهيم وأكمل، لمّا ذكر الأسوة به لم يستثنِ، وفي إبراهيم استثنى إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ، أسوة إلا في كذا، وقد سُئلت عن الأخذ من اللحية، ويحتج السائل بأنه يوجد كثير من الفضلاء يأخذون من لحاهم دون القبضة، وفوق القبضة، فقلت له: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تقول لي: فضلاء، وأقول لك: رسول الله ﷺ أكمل وأشرف، والأسوة فيه، ولم يقل النبي ﷺ: لقد كان لكم في فلان أسوة، وإنما الأسوة به ﷺ، فعجباً لقوم يقتدون بفلان وفلان ويتركون هدي رسول الله ﷺ، بل وما أمر به، وتعرفون ذلك.

فهنا قال: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، مقيدة بالحسنة؛ لأن الأسوة تكون في الخير وفي الشر، لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً، وهذا يدل على أن الائتساء بالنبي ﷺ يحتاج إلى شيء من تحقيق العبودية بذكر الله كثيراً باللسان والقلب والجوارح، وأن هؤلاء أولى الناس بالاقتداء به؛ لأن ذلك يتطلب مجاهدة وترويضاً للنفوس؛ لأن النفوس تتنازعها الأهواء، لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.