الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا۟ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم، وجَعْله العاقبةَ حاصلةً لهم في الدنيا، والآخرة فقال تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

قال ابن عباس، وقتادة: "يعنون قوله تعالى في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [سورة البقرة:214] أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء، والاختبار، والامتحان الذي يعقبه النصر القريب؛ ولهذا قال تعالى: وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".

هذا أحسن ما فسرت به الآية، يعني بعضهم يقول: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ يعني: النصر، والواقع أن تفسيره بالنصر هو تفسير له ببعض لوازمه، يعني: الابتلاء الذي يعقبه النصر فهذا من أحسن ما يكون في التفسير، هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وعدهم بالنصر لكن بعد الابتلاء، فيكون ذلك محمولاً على مثل هذه الآيات أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ [سورة التوبة:16] وما شابه ذلك، لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [سورة آل عمران:186] فالذي وَعد اللهُ، ورسوله؛ هو الابتلاء الذي يعقبه التمكين، والنصر وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ رأوا الشدة - ما رأوا طلائع النصر إطلاقاً - تذكروا هذا الوعد فقالوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فلذلك يحسن بالمؤمن دائماً إذا رأى الابتلاء في نفسه، أو أهله، أو ماله، أو نحو ذلك أن يتذكر هذا المعنى دائماً هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فيعقُب ذلك التسليم، والانقياد، والرضا، والاطمئنان، والثقة بما عند الله ، وأن العاقبة لأهل الإيمان وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا إيماناً بوعد الله ، إيماناً به، لم يتزعزعوا، لم يتزلزلوا ما قالوا: كيف حصل لنا هذا، وكيف وقع لنا هذا؟ ما زادهم إلا إيماناً، وتسليماً لأمر الله وقدره.

"وقوله تعالى: وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا دليل على زيادة الإيمان، وقوته بالنسبة إلى الناس، وأحوالهم، كما قاله جمهور الأئمة: إنه يزيد، وينقص، وقد قررنا ذلك في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.

ومعنى قوله - جلت عظمته -: وَمَا زَادَهُمْ أي: ذلك الحال، والضيق، والشدة إِلا إِيمَانًا بالله، وَتَسْلِيمًا أي: انقياداً لأوامره، وطاعة لرسوله ﷺ".

وهكذا قول من قال: وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا يعني: تسليم أنفسهم أيضاً لملاقاة العدو، فهذا كله من التسليم لأمر الله - تبارك وتعالى -، وطاعته.