السبت 27 / شوّال / 1446 - 26 / أبريل 2025
وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله -: ثم الذي لا يشك فيه من تَدَبَّر القرآن أن نساء النبي ﷺ داخلات في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [سورة الأحزاب:33]، فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [سورة الأحزاب:34] أي: اعملن بما ينزل الله - تبارك وتعالى - على رسوله ﷺ في بيوتكن من الكتاب والسنة، قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خُصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق - ا - أَوْلاهُنَّ بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينزل على رسول الله ﷺ الوحيُ في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك - صلوات الله وسلامه عليه.

قال بعض العلماء - رحمه الله -: لأنه لم يتزوج بكراً سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه ﷺ وا-، فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه الرتبة العليا، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية.

قوله: فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، الذكر هنا يحتمل أن يكون المراد به الذكر بالقلب بمعنى التذكر، ويحتمل أن يكون المقصود الذكر باللسان بمعنى التلاوة والحفظ ولزوم ذلك، يعني الاشتغال به، بكتاب الله - تبارك وتعالى -، أن تتلوه وأن تلازمه، فالأول يكون بمعنى التذكر والتفكر خلاف الغفلة، وكل ذلك مطلوب، وقراءة القرآن إنما المقصود بها ما يوصل إلى هذا، وليست مجرد قراءة للسان.

وقوله: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، الحكمة هنا السنة، وأضاف البيوت إليهن باعتبار أنهن ساكنات فيها، كما قال الله : لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ [سورة الطلاق:1] أي المطلقة، يعني وهو بيت الزوج، وكذلك أيضاً هنا في قوله: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ، يُتلى ما قال: ما ينزل، فإن التعبير بالتلاوة أشمل وأعم، مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ، وبناه للمجهول، فإن الآيات قد تنزل بيوتهن وقد تنزل في مواضع أخرى، ولكن التلاوة مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ يشمل ذلك القرآن جميعاً من كل تالٍ، وهن ممن يتلو، مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، هذا ما ينبغي أن تشتغل به المرأة وهي في بيتها.

قال: وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي جميلة قال: إن الحسن بن علي استُخلفَ حين قُتِل علي - ا - قال: فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد، وحسن ساجد قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه، فمرض منها أشهراً، ثم بَرَأ فقعد على المنبر، فقال: يا أهل العراق، اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يَحِنّ بكاء[1].

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا أي: بلطفه بكنّ بلغتنّ هذه المنزلة، وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك أعطاكن ذلك وخصكن بذلك.

قال ابن جرير - رحمه الله - : واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه، إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا أي: ذا لطف بكن، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، وهي السنة، خبيرًا بكنَّ إذ اختاركن لرسوله أزواجاً.

وقال قتادة: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ قال: يمتنُّ عليهن بذلك، رواه ابن جرير.

وقال عطية العَوْفي في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرً يعني: لطيفاً باستخراجها، خبيراً بموضعها، رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: وكذا روى الربيع بن أنس، عن قتادة.

وأيضاً يحتمل أن يكون إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا باعتبار أن اللطيف من معانيه: العليم بدقائق الأشياء، والخبير: هو العليم بخفاياها وبواطنها، فكان لطفه بهن لعلمه بدقائق الأشياء وخفاياها، وكذلك حينما يذكر هذا بعد ما أمر الله به من التلاوة أو ذكر ما يتلى في بيوتهن فإن ذلك قد يحمل على معنى وهو أن الله عالم بهذه الأعمال التي تصدر منكن، لَطِيفًا خَبِيرًا يعلم دقائق الأشياء وخفاياها، فكل هذا داخل في معناه، والله تعالى أعلم.

وقوله هنا: عن عطية: لَطِيفًا خَبِيرًا: يعني لطيفاً باستخراجها خبيراً بموضعها، "استخراجها" الضمير يرجع إلى "موضعها".

فالنعمة مثلاً التي ينعم الله بها على العبد لطيف باستخراجها خبير بموضعها.

  1. رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (2761).