يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [سورة الأحزاب:41-44].
يقول الإمام الحافظ أبو الفداء ابن كثير - رحمه الله -: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم - تبارك وتعالى - المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب، وجميل المآب.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن بُسْر قال: جاء أعرابيان إلى رسول الله ﷺ، فقال أحدهما: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال -ﷺ: مَنْ طال عمره وحسن عمله[1]، وقال الآخر: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فمرني بأمر أتشبث به، قال ﷺ: لا يزال لسانك رَطْبًا بذكر الله تعالى[2]، وروى الترمذي وابن ماجه الفصل الثاني، وقال الترمذي: حسن غريب.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة[3].
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس - ا - في قوله تعالى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العُذْر، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه، فقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [سورة النساء:103]، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وفي كل حال، وقال : وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته.
والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جداً، وفي هذه الآية الكريمة الحث على الإكثار من ذلك.
وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما.
فقوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، هذه الآية وجه تعلقها بما قبلها أن السورة تحدثت في صدرها عن الأحزاب وما جاء بعد ذلك من وقعة قريظة، ثم بعد ذلك جاء الحديث عن التبني، الذي جاء إبطاله في أولها، وأن الله - تبارك وتعالى - أبطل ذلك من الناحية العملية، بتزويج النبي ﷺ لامرأة مُتبنّاه زيد ، فهنا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا، لما كان النبي ﷺ يخشى من قالة المنافقين ومن خوضهم في عرضه ﷺ حينما يتزوج امرأة مولاه، أمر الله - تبارك وتعالى - بالاشتغال بذكره، هذا وجه لا بأس به فيما يقال من وجه الارتباط، أعني المناسبة بين هذه الآية وما قبلها، وذلك أن إشغال الناس عن قالة السوء لاسيما حيث يتوقع ذلك منهم مطلب من مطالب الشرع، والنبي ﷺ لما رميت عائشة - ا - بما برأها الله منه حث السير، ولم يكن على عادته ﷺ، كان يرفق بالناس وينزل بهم فسار بهم سيراً متواصلاً، حتى إذا نزل كان المسير قد أضناهم وأنهكهم فما أن مست جنوبهم الأرض حتى ناموا، وكانت حالهم من التعب والإعياء ومواصلة السير لا تمكن أحداً من الحديث أو الاستماع، وهنا هذه قضية كان يتخوفها النبي ﷺ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ [سورة الأحزاب:37]، فأمر بالاشتغال بذكره والإكثار منه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وقد مضى الكلام على ضابط الإكثار من الذكر، متى يكون ذلك كثيراً عند قوله - تبارك وتعالى -: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [سورة الأحزاب:35]، وأنه ينبغي للمسلم أن يكون لسانه رطباً من ذكر الله ، فلا يكون غافلاً، وأن من أهل العلم من قال: من حافظ على الأذكار والأوراد في أوقاتها التي شرعها الله فيها فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
- رواه الترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في طول العمر للمؤمن، برقم (2329)، وأحمد في المسند، برقم (17680)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3296).
- رواه الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الذكر، برقم (3375)، وأحمد في المسند، برقم (17680)، والحاكم في المستدرك، برقم (1822)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7700).
- رواه أحمد في المسند، برقم (7093)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (80).