يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا [سورة الأحزاب:49].
هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة، منها: إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.
يعني النكاح يطلق ثلاثة إطلاقات: إطلاق كامل، يعني أكمل إطلاقات النكاح، وهو مجموع العقد والجماع، هذا أكمل إطلاقاته، وذلك في قوله - تبارك وتعالى -: فَلاَ تَحِلُّ لَهُ المطلقة بالثلاث حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [سورة البقرة:230]، فلابد من عقد صحيح وأيضاً الجماع، فلو تزوجها، عقد عليها وما جامعها فلا تحل للزوج الأول إذا طلقها هذا، لابد من الأمرين، فهذا إطلاق له على أكمل معانيه، الإطلاق الثاني على العقد فقط، وهو في هذه الآية إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ عقد عليها ثم طلقها قبل أن يمسها، الإطلاق الثالث: وهو إطلاقه على الجماع، هل ورد في القرآن؟
في سورة النور على أحد القولين، فإن الاختلاف كثير في قوله - تبارك وتعالى -: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [سورة النور:3]، فإن المعاني المذكورة فيه كثيرة، وقد مضى الكلام على هذا، وبعض أهل العلم حمل قوله: لَا يَنكِحُ يعني: لا يطأ، لا يقع إلا على إما واحدة تستحل الزنا فهي مشركة، تقول: هذه حرية شخصية، ومال الدين والحريات الشخصية، فهذه مشركة تستحل ما حرم الله ، أو أنها تعتقد تحريم الزنا ولكنها لا تنضبط من الناحية العملية السلوكية، فهذه زانية، فهو لا توافقه على الزنا إلا امرأة مشركة تستحل الزنا، أو امرأة زانية تعتقد تحريمه ولكنها تقارفه، لا تمتثل، هذا معنى، المعنى الثاني: أن يكون النكاح بمعنى الزواج، وهذا الذي فيه الإشكال الكثير؛ لأن الله قال: أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، هل الزانية المسلمة يجوز أن يتزوجها مشرك؟، وهل يجوز للمسلم أن يتزوج مشركة ولو كان زانياً؟! هذا محل الإشكال الكثير والأقوال الواردة في هذا المعنى، فالمقصود أنه على القول الأول: أن معنى لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً يعني: لا يزني لا يواقع لا يجامع، فيكون بهذا المعنى - على هذا التفسير - أطلق على الجماع فقط، وقد مضى قول شيخ الإسلام وابن القيم في معناها وهو من أحسن ما قيل، حيث حملوه على العقد هناك، وبينوا وجه ذلك من حيث اشتراط الكفاءة في العفاف، وعلى مذهب الإمام أحمد لا يجوز أن يتزوج امرأة زانية لم تتب، فالعقد باطل، فإذا كان يعتقد حله فهو مشرك، وإن كانت تعتقد حله فهي مشركة، فإذا كان يعلم تحريمه فعقد باطل يواقعها بالحرام فهي زانية، إما زانية أو مشركة، هذا الذي يتزوج امرأة زانية، هذا كلام ابن القيم، وشيخ الإسلام يزيد على هذا المعنى أمراً يتصل بحال الرجل الذي يكون زانياً وما يكون عنده من ذهاب الغيرة، وفي المقابل عند امرأته من نزعة للانتقام، ثم إن المعاشرة بين الزوجين هي أعظم العشرة، ويقال للزوج عشير، والله قال: فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ [سورة النساء:140]، فلها حكمه إذا كان يزني ولم يتب، أنها لا تبقى معه.
هنا قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ قال: قوله: الْمُؤْمِنَاتِ خرج مخرج الغالب، إذا لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية، وذلك بالاتفاق، إذا تزوج كتابية وطلقها قبل الدخول فالحكم متحد ليس عليها عدة.
قال: وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها.
وقوله تعالى: الْمُؤْمِنَاتِ خرج مخرج الغالب؛ إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق. وقد استدل ابن عباس - ا -، وسعيد بن المسَيّب، والحسن البصري، وعلي بن الحسين زين العابدين، وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح؛ لأن الله تعالى قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، فعقَّب النكاح بالطلاق، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله.
هذا الذي عليه الجمهور من أهل العلم، وهذه الآية إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا هي مخصصة لقوله - تبارك وتعالى - في سورة البقرة: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [سورة البقرة:228]، يعني: إلا أن تكون مطلقة قبل الدخول فلا تتربص ثلاثة قروء، بمجرد ما يتلفظ بالطلاق فإنها تبين منه البينونة الصغرى، يعني لو أرادها فإنه يحتاج إلى عقد جديد ومهر وولي، والآية الثانية التي خصصتها هذه الآية هي قوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [سورة الطلاق:4] يعني كذلك، فالآيسة: الكبيرة التي لا تحيض، والصغيرة: التي لا تحيض لصغرها عدتها ثلاثة أشهر، إلا أن تكون مطلقة قبل الدخول، فليس عليها عدة.
و قوله: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ، طلقها قبل الدخول، فليس عليها عدة، يبقى النظر في مسألة أخرى وهي ما إذا طلقها قبل أن يجامعها ولكنه خلا بها، أغلق باباً أو أرخى ستراً، فما الحكم عليها عدة أو ليس عليها عدة؟ وهل تستحق المهر أو لا تستحق المهر، هذه مسألة مختلف فيها بين الصحابة فمن بعدهم، فكثير من أصحاب النبي ﷺ فمن بعدهم يقولون: إنه إذا أغلق باباً - خلا بها - فإنها تستحق المهر، وليس نصف المهر، وعليها العدة، تنزيلاً للمظنة منزلة المَئِِنَّة، المسألة فيها خلاف، فمن أهل العلم من يقول: لا؛ لأن الله قال: مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ والمسيس هو النكاح، ذكرت هذا من أجل أن لا يشكل.
ومثل هذا مفيد، لو أنه لم يحذف كان أفضل.
قال: وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - قال: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، قال: ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ الآية.
وعن ابن عباس - ا - أيضاً قال: إنما قال الله تعالى: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح؟!.
ينبغي أن يلاحظ كلام ابن عباس - ا - الأول: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، يقول: ليس بشيء من أجل أن الله قال: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ، فالطلاق إذا وقع على محل غير قابل، يعني امرأة ليست في حباله، ليست في عصمته فإنه ليس بشيء، يقول: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فهذا لا يقع، كما لو أنه أوقعه منجزاً من غير تعليق على امرأة ليست في حباله، قال عن امرأة أجنبية: فلانة طالق، ليس بشيء، لكن هذا قول الجمهور: إن قوله: كل امرأة أتزوجها...، خلافاً لأبي حنيفة؛ لأنه يرى وقوع الطلاق، لكن لو عيّن امرأة وقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فهذا غير الأول، غير ما ذكره ابن عباس، فمن أهل العلم وهو مذهب المالكية والأحناف أيضاً أن ذلك يقع، خلافاً لغيرهم حيث قالوا: هذا مثل الأول، إنه قال هذا في امرأة ليست في عصمته، إن تزوجتُ فلانة فهي طالق، فهذا ليس بشيء، والله أعلم.
قال: وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك[1]، رواه الإمام أحمد والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.
هذا نص صريح لا طلاق، فإذا قال: فلانة إذا تزوجتها فهي طالق، فهذا لا يقع، يعني: المعين أو المطلق، كل ذلك لا يقع.
قال: وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، وهكذا روى ابن ماجه عن علي والمِسْوَر بن مَخْرَمَة - ا - عن رسول الله ﷺ أنه قال: لا طلاق قبل نكاح[2].
قال: وقوله : فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا: هذا أمر مجمع عليه بين العلماء: أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها مَنْ شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها، فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشراً، وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضاً.
لحرمة الزوج، لو مات عنها قبل الدخول فإنها ترث، وعليها العدة، لكن لو طلقها قبل الدخول فإنها لا تعتد، وإن كان سمى لها مهراً فلها نصف المهر، مع المتعة عند بعض أهل العلم، وبعضهم يقول: إن لم يسم لها مهراً متعها، وإلا أعطاها نصف المهر، وأما بقية المطلقات بعد الدخول فإنها تعطى متعة؛ جبراً لخاطرها، بحسب حاله من الغنى والفقر.
يقول: المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى، أو المتعة الخاصة؛ لأن من أهل العلم من يقول: إن ذلك يراد به إحدى حالين: إن كان سمى لها صداقاً فلها النصف، سواءً كان دفعه لها أو لم يدفعه، وإن لم يسمِّ صداقاً أي تزوجها ولم يتفقوا على قدر في المهر معين، تركت الأمر له فإنه يعطيها متعة.
ابن كثير - رحمه الله - يقول هنا: ليس في الآيات تقييد، وإنما أمر بتمتيعها فَمَتِّعُوهُنَّ هذا أعم من أن يكون نصف الصداق، أو المتعة الخاصة التي تعطى لمن لم يسم لها، أو المتعة العامة التي تعطى للمطلقات، أما السراح الجميل فهو يتضمن أن يمتعها بحسب عسره ويسره، بحسب حاله، هذه واحدة، الأمر الثاني: السراح الجميل لا يحصل معه أذى لها أو لأهلها، كثير من الناس لما يحصل طلاق يحصل إساءة، أقل ذلك جرح المشاعر، إن لم يصل إليها منه ضرب أو يصادر مالها أو يصادر متاعها، بعضهم قد يغلق على ثيابها، ما عندها ثياب تلبسها، ليس عليها إلا الثوب الذي جاءت به، وأشهر وهي تتردد وقد غير أقفال الأبواب، - نسأل الله العافية -، فهذا إجرام، وقد يصدر للأسف من بعض الناس الذي ظاهره الصلاح والخير، ولكن الله قسم الأخلاق كما قسم الأرزاق، هذا إجرام، والمرأة مسكينة ما عندها شيء، ويغلق، أو يأخذ من متاعها الذي جاءت به، فيصطفي ما شاء، ويغلق عليه الغرفة، ويغير القفل، بأي حق تأخذ مالها؟ فهذا خلاف السراح الجميل الذي أمر الله به، ومن السراح الجميل أن يطلقها، المرأة عموماً، ليست هذه التي قبل الدخول، السراح الجميل للمطلقات، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [سورة البقرة:229] من غير أذى، وكذلك ما جاء في قوله في أول سورة الطلاق: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [سورة الطلاق:1]، أن تطلق في طهر لم تجامع فيه، ولا يكون هذا الطلاق في طهر سبقه طلاق في حيض، إذا طلقها في حيض فإنه لا يجوز له ذلك، وعليه أن يرجعها على خلاف هل وقع الأول أو لا، ثم بعد ذلك ينتظر حتى تتطهر ثم تحيض ثم تتطهر، يعني لا يطلق في الطهر الذي بعده مباشرة، هذا معنى قوله في أول سورة الطلاق: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، هذا طلاق السنة، فالسراح الجميل أن يراعي ما أمر الله به في الطلاق وأن يطلق واحدة ولا يطلق أكثر من ذلك، والله المستعان.
قال: قال الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [سورة البقرة:237]، وقال : لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة:236].
وفي صحيح البخاري، عن سهل بن سعد وأبي أسيد - ا - قالا: إن رسول الله ﷺ تزوج أميمة بنت شَرَاحيل، فلما أن أُدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقِيَّين[3].
رازقِيَّين: أي ثياب من الكتان الأبيض، "ثوبين رازقيَّين"، هذا متعة الآن، يمتعها يعطيها شيئاً، إما يعطيها متاعاً – نقوداً -، أو يعطيها عقاراً، بحسب غناه وفقره إذا كان يملك مليارات وأعطاها شقة تكون ملكاً لها، فهذا ليس بكثير، وإذا كان هذا الإنسان لا يملك إلا عشرة آلاف فإنه لو أعطاها ألف ريال فهذا بالمعروف، بحسب زمانه والمكان الذي هو فيه – البلد -، وبحسب الغنى والفقر، هذا المتاع بالمعروف.
هذا مما يدخل في السراح الجميل، وبعض السلف كقتادة وابن المسيب يرى أن المتعة هنا منسوخة بقوله: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [سورة البقرة:237]، وهذا لا دليل عليه، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وموضوع المتعة في الطلاق هذه من الأشياء التي تركها الناس إلا من رحم الله ، هل تسمعون بأن أحداً يطلق امرأة ويعطيها، مع أنه يجب عليه هذا؛ لأن الله جعله حقاً على المتقين، ولكن من الذي يفعل هذا اليوم، هذا مما ضُيع، السراح الجميل، يندر أن تجد أحداً يسرح امرأته سراحاً جميلاً إذا طلقها: البقاء في البيت، التطليق للعدة وفي طهر لم يجامعها فيه، ولو أن الناس راعوا هذا في الطلاق ستذهب تسعة أعشار حالات الطلاق الموجودة، الآن يقولون: إنها تصل إلى40% عندنا في المجتمع، ستنخفض إلى تسعة أعشار؛ فهو يطلق في طهر جامعها فيه أو وهي حائض إذا غضب، وأكثر الطلاق في خصومة، فإذا غضب يقال له: ما تطلق إلا في طهر لم تجامع فيه، وهذا نادر؛ لأن الرجل بمجرد ما تطهر من الحيض فهو ينتظر اللحظة التي تطهر فيها، فغالباً يكون جامعها فيه أو تكون حائضاً، فنقول له: لا يجوز، انتظر حتى تطهر، كانت طاهراً ثلاثة أسابيع، نقول: انتظر حتى تحيض ثم تطهر والغضب قد ذهب، نقول: الآن طلق، فإذا طلق، افترِضْ أنه طلق أو كانت فعلاً في طهر لم يجامعها فيه فطلقها فنقول: يجب أن تبقى عندك في البيت، وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ [سورة الطلاق:1] أضاف البيوت لهن، وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ، لا يجوز أن يخرجها ويذهب بها إلى بيت أهلها، ولا يجوز لها أن تذهب من عند نفسها، فتبقى عنده في البيت وتتزين له، ومعلوم أن الرجل لا يصبر عن امرأته هذه المدة، طلق في طهر لم يجامع فيه، فصبَّرناه حينما كان غاضباً ثم طلق، فنقول له: انتظر هذا الطهر الذي طلقتها فيه، ثم تحيض ثم تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، فيجلس هذه المدة التي هي قريبة من ثلاثة أشهر، الرجل المتزوج لا يستطيع أن يجلس هذه المدة، وهي عنده في البيت، لا يستطيع، إلا حالات نادرة، أن يكون لديه قناعة كاملة أن هذه المرأة لا تصلح، أما إذا كانت غضبة، أو سوء تفاهم على قضية أو نحو ذلك، لا يستطيع الرجل يصبر أسبوعاً، الأسبوع الثاني تبدأ المعاناة، أمّا أن يجلس هذه المدة كلها!، فلو أن الناس طبقوها تتلاشى حالات الطلاق، فسيراجع؛ لأنها عنده في البيت، لكن إذا ذهبت إلى بيت أهلها لا يراها، ويتحول أهلها إلى فريق يناصرونها، وأهله يتحولون في الغالب إلى فريق يناصرونه، وتتسع دائرة النزاع ويتباعد الطرفان، فالناس لو راعوا هذه الأمور التي ضيعوها، حتى صاروا يعبرون عن الطلاق بأنه ذهب بها إلى أهلها، هذا لا يجوز - والله المستعان -، وعامة سؤال الناس إنما هو على الطلاق الذي قد وقع، ويندر أن يسأل أحد عن طلاق سيوقعه، يقول: كيف أطلق؟ ما هو المشروع في الطلاق؟ أنا لا أذكر أن أحداً على كثرة ما سمعت من مسائل الطلاق، وما أجيبهم فيها في المسائل الواقعة لا يكاد يمر يوم إلا تمر مسائل ما أذكر أن أحداً سأل على الطلاق الشرعي إلا شخصاً واحداً، قبل نحو خمس عشرة سنة، قال: أنا أريد أن أطلق، فما هو المشروع في الطلاق؟، وفي اليوم الواحد عدد يسألون عن طلاق وقع، طلاق وتحريم وظهار، وأحياناً يجمع الثلاث، تسأله تقول: ماذا تقصد بكذا؟ هو لا يعرف ماذا يقصد، طالق وحرام ومثل أمه، نسأل الله العافية.
- رواه النسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب كفارة النذر، برقم (3849)، والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح، برقم (1181)، ولفظ النسائي: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم، وأحمد في المسند، برقم (6780)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2184)، وصحيح الجامع برقم (7548).
- رواه ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب لا طلاق قبل النكاح، برقم (2048)، والبيهقي في السنن الكبرى، برقم (15028)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2070).
- رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟، برقم (4957).