الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدْخُلُوا۟ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ وَٱللَّهُ لَا يَسْتَحْىِۦ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓا۟ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ۝ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [سورة الأحزاب:53-54].

هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب ، كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله، لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [سورة البقرة:125]، وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البَر والفاجر، فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب، وقلت لأزواج النبي ﷺ لما تمالأن عليه في الغيرة: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ [سورة التحريم:5]، فنزلت كذلك[1].

وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر، وهي قضية رابعة.

وقد روى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله آية الحجاب[2].

وروى البخاري عن أنس بن مالك ، قال: لما تزوج رسول الله ﷺ زينب بنت جحش، دعا القوم فَطَعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام مَنْ قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي ﷺ ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي ﷺ أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقي الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا الآية[3].

وقد رواه أيضاً في موضع آخر، ومسلم والنسائي.

فقوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية، يقول: هذه آية الحجاب، بمعنى التي فرض الله فيها الحجاب، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، خلافاً لما يتوهمه كثيرون من أن آية الحجاب هي ما سيأتي من قوله - تبارك وتعالى - بعد ذلك في هذه السورة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [سورة الأحزاب:59]، تلك ليست هي آية الحجاب، وإنما آية الحجاب هذه، وحجب الله فيها أزواج النبي ﷺ، فإذا سألهن أحد متاعاً أو حاجة فإن ذلك يكون من وراء حجاب، وحاصل ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في سبب نزول الآية يرجع إلى سببين، الأول: هو ما جاء عن عمر كما في الصحيحين: وافقت ربي في ثلاث، وذكر منها أنه قال: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن، فأنزل الله آية الحجاب، فيكون ذلك بسبب قول عمر ، والسبب الآخر هو الذي رواه البخاري عن أنس قال: لما تزوج النبي ﷺ زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، فكان ما كان من حديثهم وتطويلهم المكث في بيت رسول الله ﷺ، وما حصل بسبب ذلك من الحرج له ، حتى خرجوا، فيقول أنس: فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...، هذه روايات صحيحة، وهي صريحة في سبب النزول، وجاءت أيضاً روايات أخرى كثيرة في هذا، وأكتفي بالصحيح منها:

فمن ذلك ما صح عن عائشة - ا -: أن سبب النزول أنها كانت تأكل مع النبي ﷺ حيساً، وأن النبي ﷺ دعا عمر فأكل معهم، فأصابت أصبعه أصبعها، فقال عمر : حَسِّ، ثم قال عمر: لو كان الأمر لي أو بيدي لما رأتكنّ عينٌ أو نحو ذلك، فنزلت الآية[4]، وفي حديث أنس لما تزوج النبي ﷺ زينب، كان هذا في السنة الخامسة، في شهر ذي القعدة، صبيحة زواجه ﷺ بزينب، وهذه الأمور مترابطة، نحن قلنا في البداية: غزوة الأحزاب كانت في السنة الخامسة، وقريظة كذلك، ثم ما حصل بعد هذا من تزوجه ﷺ بزينب، كل ذلك كان في السنة الخامسة، وفيها نزل الحجاب.

وسبب رابع: عن عائشة - ا -: أنها نزلت حين قال عمر : قد عرفناك يا سودة[5]، كان أزواج النبي ﷺ يخرجن ليلاً إلى المناصع لقضاء الحاجة، فخرجت سودة - ا - وكانت امرأة طويلة تُعرف، لا تخفى، فقال عمر : قد عرفناك يا سودة، لما رآها، رجاء أن ينزل في ذلك شيء في الحجاب، كان عمر يرجو أن ينزل الحجاب، فرجعتْ، وكان ذلك سبب نزول الآية.

وسبب خامس أيضاً: ما جاء عن أنس بإسناد حسن: كانوا إذا طعموا جلسوا عند النبي ﷺ رجاء أن يجيء شيء، فنزلت، ولم يقيده بقصة زينب.

فصارت هذه خمسة أسباب صحيحة وصريحة، في قصة سودة في بعض رواياته أن النبي ﷺ قال لها: إن الله قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن، أو كما قال ، وليس فيها ذكر سبب النزول.

ولكن الرواية التي ذكرتها آنفاً جاء سبب النزول صريحاً فيها، فهل نزلت بسبب ما وقع من أكل عمر مع النبي ﷺ، أو من قول عمر: لو حجبت نساءك، أو لقوله لسودة، أو لجلوسهم أو تحريّهم، يجلسون عند النبي ﷺ رجاء أن يجيء شيء، كما جاء عن أنس، أو لجلوسهم صبيحة يوم زواجه بزينب؟

فنحن أمام ثلاثة خيارات أو احتمالات، إذا أردنا أن نجري على هذا طريقة السبر والتقسيم:

إما أن نقول: بتكرار النزول، نزلت بعد هذه الوقائع أكثر من مرة، في كل مرة تنزل.

وإما أن نقول: إن الآية نزلت بعد هذه الوقائع وهي في وقت متقارب.

وإما أن نقول: بالترجيح.

فالقول: بأن الآية تكرر نزولها فيه إشكال، إذا كان نزل الحجاب فكيف يأكل عمر مع النبي ﷺ وعائشة؟ وإذا كان نزل الحجاب فكيف يأتون إلى النبي ﷺ ويتحرون الطعام ويجلسون حتى نزلت الآية؟ وكيف يحصل ذلك صبيحة زواجه ﷺ بزينب؟ وكيف يقول عمر لسودة ما قال؟ وكيف يطالب النبي ﷺ بأن يحجب نساءه وقد نزلت آية الحجاب؟ فهذا لا يخلو من إشكال، ولا يقولنّ قائل: إن جلوسهم صبيحة ذلك اليوم في بيته ﷺ حينما تزوج من زينب أنه لا ينافي كونها قد حجبت، بل ينافيه؛ لأن أنس قال: فألقى الحجاب بيني وبينه، فدل على أن الحجاب إنما وُجد، إنما فرض، وشرع في ذلك الحين، ثم كيف ينزل الحجاب أيضاً وعمر يأكل مع النبي ﷺ وعائشة؟ فهذا القول: إن النزول تكرر أكثر من مرة هذا غير صحيح، ولا يمكن أن يقال.

والقول: إنها نزلت بعد هذه الوقائع جميعاً، لا يخلو من بعض إشكال، إذا أخذنا بظاهر بعض هذه الروايات، يعني حينما كان يأكل مع النبي ﷺ حيساً فنزلت الآية، لما قال ما قال عمر، وكذلك أيضاً حينما قال: قد عرفناك يا سودة، فنزلت الآية، هذه غير هذه، والمكان الذي كان فيه عمر يختلف، وأما مطالبته: لو حجبت نساءك فيحتمل أن تكون قبل ذلك؛ ولهذا قال لسودة ما قال، رجاء أن ينزل شيء، وكذلك في جلوسهم يبدو أن هذا كان يحصل ويتكرر فنزلت، وكذلك حينما تزوج بزينب في صبيحة ذلك اليوم جلسوا وأطالوا المكث فنزلت الآية، فكل واحد منها يدل على أنها نزلت بعده، وهي أوقات متفرقة، هذا يتعشى وهذا في الصبح، فلا يخلو هذا من إشكال، إلا أن يقال: إن ذكر هذه الوقائع ثم التعبير عن ذلك بقوله: فنزلت، لا يدل على أنها نزلت بعد ذلك مباشرة، فالفاء تدل على التعقيب المباشر، بخلاف "ثم" فتدل على التراخي، ولكن تعقيب كل شيء بحسبه، وقد ذكرت هذا المعنى - تعقيب كل شيء بحسبه - في بعض المناسبات، أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [سورة الحج:63]، وإنما يكون هذا بعد مدة من نزول الماء، وهكذا لما ذكر أطوار خلق الإنسان، قال: فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [سورة المؤمنون:14]، وهكذا ما ذكر بعده، مع أنه يكون بين الواحدة والثانية أربعون يوماً كما في حديث الصادق المصدوق، فهذا ليس مباشرة، فالتعقيب فيها يكون في كل شيء بحسبه، أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا [سورة الرعد:17] ما تسيل الأودية بمجرد نزول المطر، وإنما إذا تتابع وكثر يجتمع فتسيل منه الأودية، فيكون هنا التعقيب "فنزلت" أنها لم تنزل مباشرة في لحظتها، في ساعتها، فحصل من عمر هذا وهذا وهذا، وحصل أيضاً منهم الجلوس والتحري والإطالة على رسول الله ﷺ، وحصل في صبيحة ذلك اليوم ما أحرجه ﷺ صبيحة زواجه بزينب فخرج ودخل ورجع حياءً منهم، فهنا شرع الحجاب، قال: فألقى الستر بيني وبينه، ولا يستبعد أن يكون ما ذكرت: أنها نزلت بعد ذلك جميعاً، لكن لا يقال: إن أنس لم يطلع على نزولها قبل؛ لأنه لو كان كذلك لم يجلسوا، وأنس خادم النبي ﷺ، واعتاد الدخول، وكون النبي ﷺ ألقى الستر بينه وبينه في تلك اللحظة، فقبلها كان يدخل، لربما كان يدخل حينما كان الناس عند النبي ﷺ، هم جلوس عنده، فهذا - والله تعالى أعلم - لا يقال، ولكن يمكن أن تجتمع هذه الأمور جميعاً فتكون الفاء ليست للتعقيب المباشر، فهذا مثال يمكن أن يقال فيه بالجمع بين هذه الروايات وأنها نزلت بعدها جميعاً، مع كونه لا يخلو من إشكال، لاحظ في بعض الأمثلة والصور ليس هناك إشكال، هذا مثال لا يخلو الحال فيه من إشكال.

وإذا أردنا أن نرجح فمن طرق الترجيح: النظر إلى الأصح، ما كان في الصحيحين أو في أحدها فيرجح على غيره، أن يكون فيه مثلاً حاضر القصة الراوي، مثل حديث أنس ، لكن هذا فيه هذا وهذا، يعني هنا الحديث الأول في الصحيحين حديث عائشة، والحديث الآخر حديث أنس أيضاً في الصحيحين، وكذلك أيضاً في قضية حضور القصة، أنس حاضر القصة ، وعائشة - ا - كانت حاضرة القصة حينما كانت تأكل مع النبي ﷺ مثلاً، وقول عمر : وافقت ربي في ثلاث، هو يتحدث عن نفسه وما حصل معه، فالترجيح في مثل هذه الأشياء قد يصعب، والله أعلم.

ويمكن أن يقال - والناس يتحدثون كما نشاهد -: سبب هذا حصل كذا فحصل كذا، والآخر يذكر سبباً آخر وكلهم صادق في ذلك، لكن كل واحد يظن أن ذلك نزل بسببه خاصة، مع أنه وقعت ملابسات أخرى، وكان اجتماع ذلك جميعاً هو سبب النزول - والله تعالى أعلم -، ونحن إذا نظرنا إلى ما يتحدث عنه الناس اليوم من الأحداث والوقائع فهذا يضيف هذا إلى نفسه، وهذا يضيفه إلى نفسه، وهذا يضيفه إلى نفسه، أو هذا يضيفه إلى فلان، وهذا يضيفه إلى حادثة أخرى، وهذا يضيفه إلى حادثة أخرى، والحدث واحد، فيمكن أن يكون حصل هذا وهذا وهذا، ولكن كل واحد يظن أنه هو السبب.

ثم روى البخاري عن أنس بن مالك قال: بنى النبي ﷺ بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأُرسِلْتُ على الطعام داعياً، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوتُ حتى ما أجد أحداً أدعوه، فقلت: يا رسول الله، ما أجد أحداً أدعوه، قال: ارفعوا طعامكم، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي ﷺ فانطلق إلى حجرة عائشة - ا -، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، قالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك يا رسول الله، بارك الله لك؟ فَتَقَرّى حُجر نسائه كُلّهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي ﷺ فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون، وكان النبي ﷺ شديد الحياء، فخرج منطلقاً نحو حُجْرة عائشة، فما أدري آخبرتُه أم أُخبر أن القوم خَرَجُوا، فرجع حتى إذا وضع رجله في أُسْكُفَّة الباب داخلةً والأخرى خارجة، أرْخَى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب[6]، انفرد به البخاري من بين أصحاب الكتب الستة، سوى النسائي في اليوم والليلة.

فهذه الرواية ترجع إلى أن هذه الآية آية الحجاب، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ [سورة الأحزاب:53]، أن سبب النزول كان في صبيحة بنائه ﷺ بزينب بنت جحش في السنة الخامسة من الهجرة في شهر ذي القعدة منها، في هذه القصة، وقد مضت أيضاً رواية البخاري عن أنس قبله، والأسباب الأخرى التي بلغ ما صح منها خمسة، وذكرتُ وجه الجمع بين هذه الروايات، وأن ذلك لا يتأتى فيه القول بأن الآية نزلت أكثر من مرة، وكذا الترجيح أيضاً في هذا المقام قد يكون كذلك، ولكن الجمع يمكن في هذه الصورة، لكن ليس كما في بعض الصور التي يكون الجمع فيها بين الروايات في أسباب النزول له وجه ظاهر لا إشكال فيه، قد ذكرت وجه الإشكال ولا حاجة لإعادته.

فقوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ: حَظْرٌ على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله ﷺ بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة، فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة؛ ولهذا قال رسول الله ﷺ: إياكم والدخول على النساء[7]، الحديث.

قوله هنا: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ أضاف البيوت إلى النبي ﷺ باعتبار أنه المالك لها، وفي قوله - تبارك وتعالى -: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ [سورة الأحزاب:34] أضاف البيوت إليهن، وكذلك في قوله في سورة الطلاق: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ [سورة الطلاق:1]، فأضاف البيوت إليهن، وذلك أن الإضافة إليهن باعتبار أنهن الساكنات المنتفعات بها، وأما هنا فإن النبي ﷺ هو صاحبها ومالكها فأضافها إليه.

ثم استثنى من ذلك فقال: إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ.

قال مجاهد وقتادة وغيرهما: أي غير متحينين نضجه واستواءه.

إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ، إلى طعام، يؤذن إلى، فعدي فعل الإذن "يؤذن" بإلى، بتضمين معنى الدعاء، يعني فعل الإذن هنا "يؤذن" مضمن معنى فعل آخر، مضمن معنى الدعاء، إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ يعني: تُدعون إلى، فإن فعل الدعاء يعدى بإلى، وأما الإذن يقال: أذن بكذا، بالباء، أذن في كذا، وذكرت في مناسبات سابقة أن من النحاة - كما هي طريقة الكوفيين - من يقول بتضمين الحرف - يعني حرف الجر - معنى الحرف، فيقول: إن مثلاً هنا: "إلى" مضمن معنى "في" أو الباء، مع أن تضمين الفعل معنى الفعل أولى وأكمل، وفيه تكثير المعاني، إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ، ففعل الإذن هنا مضمن معنى الدعاء، والله تعالى أعلم.

قال: إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ، فذكر شرطين، إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ بإذن، إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ تُدعون إلى طعام غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ يعني: غير ناظرين نضجه، فكان من الناس من يبكر في المجيء قبل نضج الطعام، فيطيل المكث، حتى يكون نضج الطعام، ثم بعض الناس مَن يجلس بعده يتحدث، وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ، فكان ذلك يشق على النبي ﷺ، فخفف الله عنه، فأدبهم بهذا الأدب، أن يأتوا وقت نضج الطعام، ولا يبكروا قبل ذلك فيطول المجلس على رسول الله ﷺ، وإذا طعموا انتشروا، ذهبوا، قال مجاهد وقتادة وغيرهما: غير متحينين نضجه واستواءه، أي: لا ترقُبوا الطعام إذا طبخ، حتى إذا قارب الاستواء.

أي: لا ترقُبوا الطعام حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه، وهذا دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب الضَّيْفَن، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً في ذم الطفيليين، وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها.

قوله: غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ، إناه: مصدر، أنى الشيء، إناه، غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ فمعنى ذلك تقول: أنى الشيء إذا أدرك وصار إلى حال النضج، غَيْرَ نَاظِرِينَ يعني: غير منتظرين نضجه، وقال هنا: وهذا دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب الضَّيْفَن، الضَّيفَن غير الضيف، الضَّيفن: هو الذي يأتي مع الضيف من غير دعوة، والمشروع في حق هذا أن يستأذن، فإذا جاء أحد من الضيوف بآخر معه، فإنه يستأذن صاحب الوليمة، فيقول: هذا صحبني، أتأذن له؟، فكان من الناس عند العرب من يأتي من غير دعوة ويتطفل، وذكر هنا أن الخطيب البغدادي له كتاب، وهو مطبوع في التطفل والتطفيل، وذكْر أخبار الطفيليين، وهم الذين يأتون من غير دعوة، وهذا أمر لا يليق ولا يحسن ولا يجمل، وهو من أسباب الاستثقال، استثقال هذا القادم؛ لأنه ما دُعي، فلا يحسن أن يكون مثل هذا، حتى في المناسبات الكبيرة العامة، يأتي أحد من غير دعوة، ما دُعي ويأتي، ولا زال هذا الأمر إلى اليوم، يعني يوجد من الناس من يذهب وهو لا يعرف هؤلاء، في نهاية الأسبوع يذهب إلى صالات الأفراح، وبعض النساء تفعل هذا، لأغراض شتى، بعضهم من أجل الطعام، يقول: في كل أسبوع أعتبر هذا بالنسبة لي أجازة وتغييراً، هذا واقع موجود، من الناس من يفعل هذا، ويتهيأ ويلبس، وكأنه أحد المدعوين، فهذا لا يجوز، وبعضهم قد يذهب للأنس والترويح والفرجة، يحب مجامع الناس والمناسبات، وقد يجد أحداً يعرفه، ومن النساء من تذهب - كما تعبر - من أجل أن تُوفق، تقصد بذلك أن يراها أحد فتُخطب، وبعض النساء تأخذ البنات إلى هذه المناسبات من غير دعوة، تأمر بناتها بأن يلبسن ويتهيأن فتذهب بهن هنا وهنا، لعل أحداً يراهن فيتزوجن، فهذا لا يليق، والناس في هذا على مراتب، وبعض الشر أهون من بعض، وإلا فيوجد صور أسوأ من هذا، مثل: من الناس من يذهب إلى بعض الأماكن التي يأتيها الأثرياء والكبراء في بعض البلاد في المنتجعات، في بلاد أوروبية وغير أوروبية، يأتون الأماكن التي يغشاها هؤلاء الكبراء، فيأتون بالبنت في أبهى زينة تأكل في هذا المطعم، تشتري بمالها، قد يكون قيمة هذا الطعام الذي تأكل منه، لربما جمعوه لمدة عام؛ لارتفاع الأسعار، لعل وعسى أن يراها فلان فيتزوجها ولو لأيام، ولو لليلة، فتحظى بزعمهم بسعادة الدهر، يغمرها بالأموال فيغتنون، ولو طلقها من ليلته، هذا موجود، فيوجد بعض البشر أو من هم في مسلاخ البشر يفعلون هذا، - نسأل الله العافية -، والهبوط ليس له حد، لكن يقول هنا: هذا دليل على تحريم التطفيل، إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، والتطفل والتطفيل وأخبار هؤلاء والتأديب الذي أدب الله به، كما قال بعض السلف مثل حماد بن زيد أن هذه الآية في الثقلاء، وبعضهم كإسماعيل بن أبي حكيم يقول: هذا أدبٌ أدّب الله به الثقلاء، وكذلك جاء عن ابن أبي عائشة: حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم، والحديث عن الثقلاء ذو شجون، ولولا أن الوقت لا يسعف لتحدثت عن هذا الموضوع الذي تشير إليه الآية، وذكرت أشياء من كلام أهل العلم في الثقلاء، كما قيل: إن الثقلاء حُمّى الروح، وهذا صحيح، وبعض السلف يقول: إنها حُمى بين الجلدين، وبعضهم يقول: إنها سخونة العين، يعني: حينما تنظر إلى الثقلاء، ولا شك أنه عذاب.

وجاء أحدهم إلى الأعمش فقال: بلغَنا أن من أصيب في عينيه عوضه الله ، فقال: فماذا عوضك؟ قال: عوضني ألا أرى الثقلاء وأنت منهم.

فهذا البلاء على نوعين، ولعله يأتي حديث مفصل عنه - إن شاء الله -؛ حتى لا يذهب الوقت، لكن هذا البلاء على نوعين، يبدو أنه جِبلّي، خِلقة، فيكون الإنسان ثقيلاً على النفوس من غير كسب منه، هكذا خِلقته وطبيعته، ونوع آخر كسبي، وحاصل ذلك يرجع إلى أن يكون الإنسان يزاول أموراً وتصدر منه تصرفات ينفر منها الناس، فيُعرف بهذا، وتكثر منه هذه المزاولات إما بكثرة التردد على الناس في بيوتهم وإطالة المكث عندهم من غير حاجة، فإذا جاء عرف أنه ما يقوم، فلربما يعني خرجوا من طورهم، فإذا جاء استثقلوه، وأحياناً يكون الاستثقال بسبب ما يصدر منه من أمور يكرهونها أيًّا كانت، مثل الذي لا يُرى ولا تقابله إلا وينتقد أو يطالب، إما أن ينتقد وإما يطلب أو يعاتب، لا تلقاه إلا بإحدى ثلاث فيُستثقل، ومنهم من يستثقل لسبب آخر وهو أنه يكون كَلًّا على الآخرين، أو أنك لا تراه إلا وتعلم أنه جاءك بخبر يسوءك، حمّال للأخبار السيئة، فلان يقول كذا، فلان يقول عنك كذا، وما إلى ذلك من الأمور، حصل من فلان كذا، فإذا رأيته عرفت أنه يحمل خبراً لا يسر، فيُستثقل، ولشيخ الإسلام وغير شيخ الإسلام كلام في الثقلاء كثير، وتوجد كتب خاصة في الثقلاء، والله المستعان.

ثم قال تعالى: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دعا أحدكم أخاه فَلْيجب، عُرساً كان أو غيره[8]؛ ولهذا قال: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أي: كما وقع لأولائك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث، ونسُوا أنفسهم، حتى شَقّ ذلك على رسول الله ﷺ.

قوله هنا: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا، لكن إذا علم أن صاحب الدار يرغب بجلوس هؤلاء الضيوف فلا إشكال، فيكون ذلك مستثنى.

كما قال تعالى: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ.

وقيل: المراد أن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به، لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه ، حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك؛ ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أي: ولهذا نهاكم عن ذلك وزجرَكم عنه.

ثم قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أي: وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.

يعني إذا كان هذا في أزواج النبي ﷺ، والمخاطب بذلك الصحابة، وهن أمهات المؤمنين، ولا يجوز لأحد أن يتزوجهن بعد النبي ﷺ، ومع ذلك الله يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، ويعلل ذلك بقوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ للطرفين، فكيف بمن بعدهم؟ فكيف بزماننا هذا، مع كثير من التبذل والتبرج والتغنج والخضوع بالقول، وإظهار الزينة، حتى تحول الحجاب إلى نوع فتنة في الغالب لدى كثير من النساء، ثم يقال: الاختلاط لا بأس به! هذا في أزواج النبي ﷺ، والعجيب أن بعضهم يحتج بهذه الآية أن هذا خاص بأزواج النبي ﷺ، وإذا كانت العلة مذكورة منصوصة هنا: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ إذاً غير أزواج النبي ﷺ من باب أولى، ومن جاء بعد الصحابة من باب أولى، خاصة إذا كثر في الناس الشر والانحراف، ففي تلك البيئات المختلطة لا تكاد المرأة تسلم، - والله المستعان -، والذين يزعمون أن ذلك بسبب الكبت لفصل الرجال عن النساء، نقول: هؤلاء كذبوا؛ لأن المجتمعات الغربية لا يوجد فيها هذا الكبت بل الانفلات، ومع ذلك جرائم الاغتصاب عندهم لا تعد بالشهور والأيام، بل تعد بالثواني في الإحصاءات التي تصدر منهم، والآن بدءوا يفصلون المدارس منذ الروضة والابتدائي، والحكومة الأمريكية تدعم مدارس البنات التي تنفصل عن مدارس البنين، ورأوا أثر ذلك في النتائج والتحصيل، ودراسات هؤلاء تثبت هذا الكلام، وأظن أنه لا يخفى على أحد، فمعلوم أن المرأة هي محل الاستمتاع بالنسبة للرجل شاء أم أبى، هكذا ركبها الله وخلقها، وجعل فيه هذا الميل الغريزي إليها، فإذا وضع معها في مكان واحد فإن ذلك يؤذن بشر مستطير، ولا يمكن أن تضع الذئاب مع الغنم وتقول: الكبت هو الذي سبب هذا الافتراس.

وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [سورة الأحزاب:53].

روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ قال: نزلت في رَجُل هَمّ أن يتزوج بعض نساء النبي ﷺ، قال رجل لسفيان: أهي عائشة؟ قال: قد ذكروا ذاك.

هذا لا يصح، والروايات التي جاءت في أن طلحة بن عبيد الله نزلت فيه، وأنه قال ذلك، كل هذا لا يصح، قال: وكذا قال مقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. هذه كلها مراسيل، قال: وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله ، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك، وهذا أيضاً لا يصح، لا يصح من هذا شيء، لكن الله يشرع للأمة، ويبين أنه يحرم تزوج نسائه ﷺ من بعده، وأهل العلم اختلفوا في من طلقها النبي ﷺ قبل الدخول، هل يجوز التزوج بها أو لا، مضى الكلام عند قوله: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [سورة الأحزاب:28] باعتبار أن المراد هنا الطلاق. 

وكذا قال مقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك؛ ولهذا أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله ﷺ من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده؛ لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين، كما تقدم.

وقد عظم الله - تبارك وتعالى - ذلك، وشدد فيه وتوعد عليه بقوله: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا.

  1. رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب ما جاء في القبلة ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة، برقم (393).
  2. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، برقم (4512).
  3. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، برقم (4513)، وبرقم (5885)، كتاب الاستئذان، باب آية الحجاب، ومسلم، كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس، برقم (1428).
  4. رواه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (2947)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (11419)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، برقم (11581)، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن أبي كثير وهو ثقة".
  5. رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب خروج النساء للبراز، برقم (146)، وبأرقام متعددة منها رقم (5886)، كتاب الاستئذان، باب آية الحجاب، ومسلم، كتاب السلام، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان، برقم (2170).
  6. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، برقم (4515).
  7. رواه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة، برقم (4934)، ومسلم، كتاب السلام باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم (2172).
  8. رواه مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، برقم (1429).