الأربعاء 30 / ذو القعدة / 1446 - 28 / مايو 2025
لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ إِخْوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُنَّ ۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [سورة الأحزاب:55].

لما أمر تعالى النساء بالحجاب من الأجانب، بيَّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم، كما استثناهم في سورة النور، عند قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31]، وفيها زيادات على هذه، وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادتها هاهنا.

هنا الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: بيَّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم، فيكون رفع الجناح هنا عن الاحتجاب، لما قال: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بيّن أنه لا يجب الاحتجاب ممن ذكر الله هنا، وهذا اختيار ابن جرير - رحمه الله -، وجاء عن مجاهد: أن المراد وضع الجلابيب، لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ يعني: في إبداء الزينة الباطنة، يعني التي يراها الأقارب والمحارم، وهي التي ذكرها الله في سورة النور في قوله: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ الآية، فهنا يقول: بيّن أن هؤلاء الأجانب لا يجب الاحتجاب منهم كما استثناهم في سورة النور، هنا في هذه الآية ذكر بعضاً لم يذكرهم هناك، وهناك ذكر من لم يذكره هنا، وقد مضى الكلام على آية النور، وأن ما ذكر في آية الأحزاب يغني عن أن يكرر وأن يذكر ثانية في سورة النور، وهكذا، فإن الله - تبارك وتعالى - إذا ذكر الحكم في موضع واحد فإن ذلك يكفي، وقد مضى كلام الشعبي - رحمه الله - ومن وافقه بأن الله لم يذكر العم والخال؛ لأنهم يصفونها لأبنائهم، كانوا يرون أن تحتجب منهم، وأن هذا غير صحيح، والصواب قول الجمهور، وأن الله لم يذكر العم والخال؛ لأنه ذكر - تبارك وتعالى - أبناء الإخوة والأخوات وهم بنفس الدرجة في البعد أو القرب منها، فالعم والخال من أعلى وأبناء الإخوة والأخوات من أسفل، بنفس الدرجة، فأغنى هذا عن هذا، والله تعالى أعلم.

روى ابن جرير عن الشعبي وعكرمة في قوله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ الآية، قلت: ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قالا: لأنهما ينعتانها لأبنائهما، وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.

وقوله تعالى: وَلا نِسَائِهِنَّ: يعني بذلك: عَدَم الاحتجاب من النساء المؤمنات.

من أهل العلم من أخذ من الإضافة أَوْ نِسَائِهِنَّ [سورة النور:31] أن المقصود النساء المسلمات، وهذا أخذ به جماعة من السلف، وهذا اختيار القرطبي، وابن كثير، بمعنى أن المرأة الكافرة كالرجل الأجنبي؛ لأنها لا تؤمن عليها من أن تصفها للرجال، هكذا قالوا، والمسألة فيها خلاف معروف، والمقصود أنهم أخذوا ذلك من الإضافة، ما قال: أو النساء، وإنما قال: أَوْ نِسَائِهِنَّ، قالوا: المسلمات، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن المرأة الكافرة يجوز أن ترى من المرأة المسلمة ما يرى المحارم، وكونها لا تؤمن فكذلك من النساء المسلمات من لا تؤمن بأن تصفها لغيرها، لكن إذا عُلم من أحد ريبة فإنه يُحتجب منه ولو كان من المحارم، وقد يكون هذا من أقرب القرابات، يعني لو أن امرأة ينظر إليها أخوها بنظر ريبة، ويتصرف معها تصرفات لا تليق، فنقول لها: احتجبي منه، وبعض النساء لربما تشكو من أبيها، أو امرأة تشكو زوجها من أنه يتحرش ببناته، فمثل هذا لا يؤمن عليه وهو أبوها، - نسأل الله العافية -، وهكذا العم والخال وبقية المحارم إذا كان لا يؤمن على النساء، والإضافة هنا الأرجح - والله تعالى أعلم - أنها لا تدل على هذا الاختصاص بالمسلمات، وهكذا في قوله: وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ، قال هنا: يعني به أرقّاءهن، وقال ابن المسيب: إنما يعني به الإماء فقط، وهذا قال به جماعة من السلف، قال: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ بمعنى أن المملوك الرجل يكون كالأجانب بالنسبة إليها، أن مملوكها يكون كالأجنبي، وأن قوله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ  أن المراد به النساء، والأقرب - والله أعلم - أن ذلك يعم الرجل والمرأة، فالمملوك يجوز له أن يراها إذا كانت تملكه هي، وبعضهم يقول: إن قوله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ المذكور هنا وفي سورة النور المقصود به الكتابيات، أو المشركات من النساء المملوكات لهن، فهؤلاء تبدي لهم ما تبديه للمحارم، يعني أَوْ نِسَائِهِنَّ يعني: المسلمات، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ من غير المسلمات، فغير المسلمة لا تبدي لها زينتها الباطنة إلا أن تكون مملوكة لها، والأقرب - والله أعلم - أن ذلك لا إشكال فيه سواء كان رجلاً أو امرأة، المقصود أن هؤلاء الأئمة من السلف فمن بعدهم، لو قيل للناس اليوم هذا القول الذي اختاره ابن كثير والقرطبي وجماعة من أهل العلم، لو قيل للناس: لا يجوز للمرأة المسلمة أن ترى منها غيرُ المسلمة إلا ما يراه الرجل الأجنبي، لعدوا ذلك غاية التشدد، ولو نظروا في كلام كثير من الأئمة في مثل هذه القضايا لعرفوا أن ما يقوله بعض الناس من أن الفتاوى التي يسمعونها من علمائهم الثقات الكبار في هذه البلاد أن هذا فيه كثير من التيسير، وإذا نظرت إلى كلام أهل العلم كالشافعي ومالك وأمثال هؤلاء الكبار في مسائل تتعلق بالخلوة بالنساء، وبما تزول الخلوة، بما ترتفع وما إلى ذلك لربما لو سمع الناس هذا اليوم لقالوا: هذا لا يمكن، فالعامة لا يصح أن يحكموا على أهل العلم بأن فلاناً متشدد، أو أن فلاناً متساهل، أو أن فلاناً معتدل، وهم لا يملكون الآلة التي يقيّمون فيها ويحكمون على الفتاوى؛ لأنهم ليس عندهم أصلاً من آلة الاستنباط والفهم ما يؤهلهم لئن يكونوا حاكمين على كلام أهل العلم.

وقوله تعالى: وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ يعني به: أرقّاءَهن.

قال سعيد بن المسيب: إنما يعني به: الإماء فقط، رواه ابن أبي حاتم.

يعني به الإماء فقط، يعني قد يقول قائل: هذا تحصيل حاصل، لا يحتاج أن يذكر، فيقولون: الإماء غير المسلمات، باعتبار أنه ذكر قبله، قال: وَلا نِسَائِهِنَّ فخصوه بالمسلمات، قال: وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ يعني: من غير المسلمات، على قول هؤلاء.

وقوله تعالى: وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا أي: واخشينه في الخلوة والعلانية، فإنه شهيد على كل شيء، لا تخفى عليه خافية، فراقبْنَ الرقيب.