الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة الأحزاب:56].

قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء، وقال ابن عباس: يصلون: يبرِّكون. هكذا علقه البخاري عنهما[1].

وقال أبو عيسى الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار.

مضى الكلام على هذا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [سورة الأحزاب:43]، والكلام على معنى الصلاة من الله أن يذكر عبده في الملأ الأعلى، وأن صلاة الملائكة بمعنى الاستغفار، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ [سورة الشورى:5]، وأن صلاة المؤمنين بمعنى الدعاء، وعبارات السلف في هذا متقاربة، وهذا الذي ذكرته آنفاً هو الذي نصره الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، وأطال في تقريره.

وقوله هنا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، الضمير في يُصَلُّونَ إذا قلنا: إنه يعود على الله وعلى ملائكته يُصَلُّونَ فيرِد هنا سؤال وهو: أن النبي ﷺ قال في الخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، فأعاد الضمير عليهما، على الله وعلى رسوله ﷺ، فقال النبي ﷺ: بئس خطيب القوم أنت[2]، وكثير من أهل العلم يقولون: لأنه وحد الضمير، وكان اللائق أن يقول: ومن يعص الله ورسوله.

فيرد السؤال هنا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ؟ فبعض أهل العلم يقول: إنه على تقدير محذوف، إن الله يصلي وملائكته يصلون، هذا إذا قلنا: إنه يعود إلى الله والملائكة، يصلون.

وبعضهم يقول في الجواب: إن النبي ﷺ أنكره - أي توحيد الخطيب للضمير - وذلك أنه يكون منكراً إذا صدر من المخلوق؛ لأنه لا يكون متأدباً مع الله - تبارك وتعالى - الأدب اللائق، وأما إذا صدر من الله فهذا لا إشكال فيه، وبعضهم يقول: إنما قال له النبي ﷺ ما قال: لأنه وقف في موضع لا يحسن فيه الوقف، قال: ومن يعصهما، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، يعني كأنه متعلق بما قبله: ومن يعصهما أيضاً فقد رشد، قالوا: من أجل الوقف، وإلا فلا إشكال في عود الضمير على ما قبله إذا ذكر الله وذكر الملائكة - عليهم الصلاة والسلام -، أو ذكر الله وذكر النبي ﷺ، وهذا أيضاً مثال إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ، لما كانت صلاة الله تختلف في المعنى عن صلاة الملائكة، كما سبق، وقد استعمل الفعل فيهما، في المعنيين، فدل على ما قاله الإمام الشافعي - رحمه الله - وغيره، من صحة استعمال المشترك، اللفظ المشترك، في معنييه أو معانيه، وهذا لا إشكال فيه، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ، فهذا الفعل بالنسبة لله له معنى، وبالنسبة للملائكة له معنى، فيكون استُعمل في المعنيين، استعمل بمعنى يعود إلى الله ، وهو أن يذكر عبده في الملأ الأعلى، وفيما يعود إلى الملائكة بالاستغفار.

وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله ﷺ بالأمر بالصلاة عليه، وكيفية الصلاة عليه، ونحن نذكر منها - إن شاء الله تعالى - ما تيسر، والله المستعان.

الحافظ ابن كثير ذكر هنا طائفة من هذه الأحاديث، وابن القيم - رحمه الله - له كتاب في هذا، ولغيره أيضاً، كَتبَ فيه كثيرون، وضمنه بعضهم في بعض مصنفاته، والحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح، في المجلد الحادي عشر، تطرق لهذا، وذكر جملة من الأحاديث الصحيحة، وفي الباب أحاديث أخرى غير صحيحة، وإسماعيل القاضي له كتاب مطبوع جيد في هذا الموضوع، في فضل الصلاة على النبي ﷺ.

روى البخاري عند تفسير هذه الآية عن كعب بن عُجْرَة قال: قيل: يا رسول الله، أمّا السلام عليك فَقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد[3].

وروى الإمام أحمد عن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عُجْرَةَ فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا - أو عرفنا - كيف السلام عليك، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد[4].

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم، من طرق متعددة.

حديث آخر: روى البخاري عن أبي سعيد الخدري ، قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام فكيف نصلي عليك؟: قال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم[5]، قال أبو صالح، عن الليث: "على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم".

حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا ابن أبى حازم والدّرَاورْدي...

الدراوردي سكن المدينة فكان إذا استأذن عليه أحد أجابه بكلمة في أصلها أعجمية، أندرون، والناس الآن يقولون: اندر، لكن يستعملونها عكس المعنى، هو يقول: أدخل؟، تقول له: أندرون، فبعض الناس اليوم يستعملها بمعنى اخرج، اندر، فقيل له: الدراوردي لهذا.

حدثنا ابن أبي حازم والدّراوردي عن يزيد بن الهاد قال: كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم[6]، وأخرجه النسائي وابن ماجه.

حديث آخر: روى الإمام أحمد عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجي[7]، وقد أخرجه بقية الجماعة، سوى الترمذي.

حديث آخر: روى مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله ﷺ، ونحن في مجلس سعد بن عُبَادة، فقال له بَشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله.

ثم قال رسول الله ﷺ: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد عَلِمْتُم[8].

وقد رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي وابن جرير، وقال الترمذي: حسن صحيح.

يعني: السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته، التشهد.

يعني هذه الصفات الآن الواردة وهي كلها صحيحة ينوعها المصلي على النبي ﷺ، كذا فيما يقوله بعد التشهد، فإنه يأتي بهذا تارة وبهذا تارة، على سبيل الاستقلال، دون تكرار، ومن غير تلفيق، يعني لا يذكر هذا ثم يذكر بعده الآخر، والآخر، ويقول: أنا سأطيل في الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد، ويأتي بهذه الصيغ في صلاة واحدة، فهذا غير مشروع، وما كان النبي ﷺ يفعله، وكذلك من غير تلفيق، لو أراد أحد أن يأتي بصيغة يكملها من مجموع الروايات، صيغة واحدة، يأخذ هذه الجملة التي ما وجدت في هذا الحديث، ويأخذ الجملة الأخرى من حديث آخر، حتى يأتي بصيغة مطولة، فيقال: هذا غير صحيح، فإن النبي ﷺ لم يوردها هذا الإيراد، وإنما المشروع أن يأتي بهذا تارة وهذا تارة، مثل هذه الصيغ الواردة من أنواع الاستفتاح في الصلاة، والصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد، صيغ التشهدات، صيغ الأذان، صيغ الإقامة، كل ذلك الأفضل أن ينوع، يأتي بهذا تارة وهذا تارة، وأنه قد يكون أفضل في بعض الأحوال أو لبعض الأشخاص، يعني العمل المفضول، أو بعض هذه الأنواع قد تكون أفضل من غيرها لبعض المكلفين، هذا من حيث أصل المسألة الذي هو التنوع، لا هذا المثال المعين في الصلاة على النبي ﷺ، والله أعلم، هذا حتى في الأمور العملية الأخرى غير القولية، مثل صيغ الوتر، كونه يوتر بثلاث أو بخمس مثلاً، أو يوتر بركعة منفردة، ويصلي قبلها مثنى مثنى، وهكذا فعل القنوت أحياناً، وترك القنوت أحياناً في الوتر، وهكذا فيما يتصل بقضايا عملية متنوعة، النبي ﷺ فعل هذا تارة وفعل هذا تارة، فالتنويع هو اتباع السنة، ولكنه قد يكون أفضل في بعض الأحوال أو لبعض الأشخاص إحدى هذه الصور، صلاة الخوف مثلاً لها أكثر من صورة، فقد تكون في بعض الحالات بعض الصور أفضل؛ لأن ذلك آمن لهؤلاء المقاتلين، وقد يكون المكلف إنما يحسن هذا النوع من العبادات، أو أن ذلك هو أصلح لقلبه مثلاً، فيلازمه أكثر من غيره، يجد أن قلبه يكون حاضراً معه، وهكذا في الأعمال الصالحة المتنوعة، يعني مثل القراءة في المصحف والقراءة عن ظهر قلب، أيهما أفضل؟ فهذا مما ينظر فيه إلى حال المكلف، فمن الناس من يجد قلبه عند القراءة نظراً، فيجتمع له نظر العين مع حضور القلب، ومن الناس من يكون حضور القلب بالنسبة إليه في الصلاة، فتكون القراءة في الصلاة أفضل وأكمل، ومن الناس من يكون حضور قلبه خارج الصلاة، فيكون ذلك أفضل من الاشتغال بكثرة التطوع في الصلاة من غير حضور قلب، فكونه يقرأ القرآن مع خشوع وحضور قلب خارج الصلاة أفضل، وهكذا.

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله ﷺ رجلاً يدعو في صلاته، لم يمجد الله ولم يصل على النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: عَجِل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره:  إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ثم ليدعُ بعدُ بما شاء[9].

إذا صلى يعني: إذا دعا.

حديث آخر: روى الترمذي عن أبيّ بن كعب قال: كان رسول الله ﷺ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟

يعني: كم أجعل لك من صلاتي، يعني: من دعائي، يعني هل أجعل لك نصف دعائي أو أجعل لك ربع دعائي، وليس المقصود الصلاة ذات الركوع والسجود، أصلي عليك: أدعو لك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقول المصلي: اللهم صل على محمد هذا دعاء.

قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تُكفى همّك، ويغفر لك ذنبك[10]. هذا حديث حسن.

قوله: تُكفى همك ويغفر له ذنبك، يكفي في بيان شرف وفضل الصلاة على النبي ﷺ، لكن ليس المقصود به الصلاة المعروفة ذات الركوع والسجود، فإن الإنسان يصلي لله ، وليس المقصود إهداء الثواب - ثواب الصلاة - للنبي ﷺ، فإن النبي ﷺ لا يُشرع أن يهدى له ثواب الأعمال التي نعملها؛ لأن كل ما نعمله فله من الأجر مثل أجور العاملين؛ لأنه هو الذي دلنا على هذا وهدانا وأرشدنا إليه.

حديث آخر: روى الإمام أحمد عن أبي طلحة أن رسول الله ﷺ جاء ذات يوم، والسرور يُرى في وجهه، فقالوا: يا رسول الله، إنا لنرى السرور في وجهك، فقال: إنه أتاني الملك فقال: يا محمد، أما يرضيك أن ربك ، يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صلَّيت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً؟ قال: بلى[11]، رواه النسائي.

طريق أخرى: روى الإمام أحمد عن أبي طلحة الأنصاري قال: أصبح رسول الله ﷺ يوما طيب النفس، يُرى في وجهه البشر، قالوا: يا رسول الله، أصبحت اليوم طيب النفس، يُرى في وجهك البشر، قال: أجل، أتاني آتٍ من ربي ، فقال: مَنْ صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها[12]، وهذا أيضا إسناد جيد، ولم يخرجوه.

حديث آخر: روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من صلى علىّّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً[13]، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وعامر بن ربيعة، وعمار، وأبي طلحة، وأنس، وأبي بن كعب.

حديث آخر: روى الإمام أحمد عن الحسين بن علي أن رسول الله ﷺ قال: البخيل من ذُكرت عنده، ثم لم يصل عليّ، وقال أبو سعيد: فلم يصل علي[14].

ورواه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

حديث آخر: روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: رغِم أَنف رجل ذُكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة[15]، ثم قال: حسن غريب.

 قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة فمنه: بعد النداء للصلاة؛ للحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إذا سمعتم مؤذناً فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة[16]. وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

ومن ذلك: عند دخول المسجد والخروج منه، للحديث الذي رواه الإمام أحمد عن فاطمة بنت رسول الله ﷺ قالت: كان رسول الله ﷺ إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم، ثم قال: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك[17].

ومن ذلك الصلاة عليه ﷺ في صلاة الجنازة، فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب، وفي الثانية أن يصلي على النبي ﷺ، وفي الثالثة يدعو للميت، وفي الرابعة يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.

على خلاف في الرابعة ماذا يقول، هل يقال شيء أو يسكت؟

روى الشافعي - رحمه الله - عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ﷺ: أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي ﷺ، ويخلص الدعاء للجنازة، وفي التكبيرات، لا يقرأ في شيء منها، ثم يسلم سراً في نفسه.

قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي ﷺ، يعني في التكبيرة الثانية، ويخلص الدعاء للجنازة يعني في التكبيرة الثالثة، لاحظْ هنا، قال: وفي التكبيرات، لا يقرأ في شيء، الواو هذه زائدة، وهي تشكل في المعنى، الواو زائدة، وإنما هو: في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منها، يعني: ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منها، ثم يسلم سراً، يعني في التكبيرات الأخرى، بعد التكبيرة الأولى، يقرأ الفاتحة، ثم في الثانية يصلي على النبي ﷺ، وفي الثالثة يدعو للميت، لا يقرأ في شيء منها، يعني في التكبيرة الثانية ما يقرأ سورة بعد الفاتحة مثلاً، إنما هو الصلاة على النبي ﷺ والدعاء للميت.

ورواه النسائي، عن أبي أمامة نفسه أنه قال: من السنة، فذكره، وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح.

ومن ذلك: أنه يُستحبّ ختم الدعاء بالصلاة عليه ﷺ، روى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد حتى تصلي على نبيك[18].

ورواه معاذ بن الحارث، عن أبي قرة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر مرفوعاً.

الحديث فيه ضعف، والشيخ الألباني - رحمه الله - ضعف الموقوف، ثم حسنه في بعض كتبه المتأخرة، في إسناده المرفوع والموقوف أبو قرة وهو مجهول.

ومن آكد ذلك: دعاء القنوت، لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وابن خزيمة، وابن حبَّان، والحاكم عن الحسن بن علي - ا -، قال: علَّمَني رسول الله ﷺ كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يَذِلّ من واليت، تباركت ربنا وتعاليت[19].

وزاد النسائي في سننه بعد هذا: وصلى الله على محمد[20].

هذه الزيادة لا تصح، وأما ما قبلها فثابت يقال في الوتر، ومن أهل العلم من يرى أنه يقتصر عليه.

ومن ذلك: أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة، روى الإمام أحمد عن أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله ﷺ: مِن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرض عليك صلاتنا وقد أرمْتَ؟ يعني: وقد بليتَ، قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء[21].

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، والنووي في الأذكار.

  1. صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب (4/1801).
  2. رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (870).
  3. رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي ﷺ، برقم (5996)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد، برقم (406).
  4. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (18105)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  5. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، برقم (4520).
  6. رواه النسائي، كتاب السهو، برقم (1288)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الصلاة على النبي ﷺ، برقم (903).
  7. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (23600)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  8. رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد، برقم (405).
  9. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (23937)، وقال محققوه: إسناده صحيح، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، برقم (2703)، وابن حبان في صحيحه، برقم (1960)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (648).
  10. رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2457)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (954).
  11. رواه أحمد في المسند، برقم (16363)، وقال محققوه: "حسن لغيره"، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (1218)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (829).
  12. رواه أحمد في المسند، برقم (16352)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف"، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (4720)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (57).
  13. رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يسأل الله له الوسيلة، برقم (384)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سمع المؤذن، برقم (523)، والترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في فضل النبي ﷺ، برقم (3614).
  14. رواه أحمد في المسند، برقم (1736)، وقال محققوه: "إسناده قوي، رجاله ثقات رجال الصحيح غيرَ عبد الله بن علي بن حسين، فمن رجال الترمذي والنسائي، روى عنه جمع، ووثقه ابنُ حبان وابن خلفون والذهبي، وقول الحافظ عنه في"التقريب": مقبول: غيرُ مقبول. أبو سعيد: هو عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم"، والحاكم في المستدرك، برقم (2015)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وابن حبان في صحيحه، برقم (909)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2878).
  15. رواه الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب قول رسول الله ﷺ رغم أنف رجل، برقم (3545)، وأحمد في المسند، برقم (7451)، وابن حبان في صحيحه، برقم (908)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3510).
  16. رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يسأل الله له الوسيلة، برقم (384)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سمع المؤذن، برقم (523)، والنسائي، كتاب الأذان، باب الصلاة على النبي ﷺ بعد الأذان، برقم (678)، والترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في فضل النبي ﷺ، برقم (3614)، وأحمد في المسند، برقم (6568)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (613).
  17. رواه الترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد، برقم (314)، وابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب الدعاء عند دخول المسجد، برقم (771)، وأحمد في المسند، برقم (26418)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم (771).
  18. رواه الترمذي، أبواب الوتر، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي ﷺ، برقم (486)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2035).
  19. رواه أبو داود، كتاب سجود القرآن، باب القنوت في الوتر، برقم (1425)، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الأمر بالوتر قبل الصبح، برقم (1745)، وأحمد في المسند، برقم (1718)، وابن حبان في صحيحه، برقم (945)، وابن خزيمة في صحيحه، برقم (1095)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1281).
  20. رواه النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الأمر بالوتر قبل الصبح، برقم (1746)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (431)، وقال الألباني في تمام المنة (243): "هذه الزيادة في آخره ضعيفة لا تثبت كما قال الحافظ ابن حجر والقسطلاني والزرقاني، وفي سندها جهالة وانقطاع".
  21. رواه النسائي، كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي ﷺ يوم الجمعة، برقم (1374)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فضل الجمعة، برقم (1085)، وأحمد في المسند، برقم (16162)، والحاكم في المستدرك، برقم (1029)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، وابن خزيمة في صحيحه، برقم (1733)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1527)، وفي صحيح الجامع، برقم (2212).