الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ۝ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [سورة الأحزاب:57-58].

يقول ابن كثير - رحمنا الله وإياه -: يقول تعالى متهدداً ومتوعداً مَنْ آذاه، بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره على ذلك، وإيذاء رسوله بعيب أو تنقص، عياذاً بالله من ذلك.

قال عِكْرِمة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: نزلت في المصوّرين.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله : يؤذيني ابن آدم، يَسُبّ الدهر، وأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره[1].

ومعنى هذا: أن الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر، فعل بنا كذا وكذا، فيسندون أفعال الله تعالى إلى الدهر ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك هو الله ، فنهى عن ذلك.

وقال العَوْفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: نزلت في الذين طعنوا على النبي ﷺ في تزويجه صفية بنت حُيَيّ بن أخطب.

والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله، كما أن من أطاعه فقد أطاع الله.

قوله: قال عكرمة: إن الآية نزلت في المصورين إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بمعنى: أنهم يضاهئون بخلق الله ، فهذا تعدٍّ عليه، وعلى شيء من خصائصه، وذلك أن من أسمائه - تبارك وتعالى - المصور، فليس لأحد أن يتعدى ذلك ليجترئ عليه، وهذا التفسير هو من قبيل التفسير بالمثال، يعني أن أذيّة الله يدخل فيها كل ما يصدق عليه أنه أذى، فقوله - تبارك وتعالى - في الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، فهذا من أذيته ، وهكذا من تعدى على شيء من خصائصه فهو كذلك، ومعلوم أن الأذى غير الضرر، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني[2]، فالخلق أضعف من أن يوصلوا الضرر إلى الله ، وأما الأذى فإنه غير الضرر، الأذى دون الضرر، يمكن للمخلوق أن يوصل الأذى إلى الله كأن يسب الدهر ونحو ذلك؛ ولهذا قال: يؤذني ابن آدم، والله يقول: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى [سورة آل عمران:111].

وقول من قال: إن سب الدهر هو الأذى، إلى آخره، هذا كله مما يدخل فيه، من سماه بغير أسمائه، أو وصفه بما لا يليق، أو أشرك معه غيره، أو حرف أسماءه - معاني الأسماء والصفات - فهو داخل في هذا.

وبالنسبة لأذية الله، وأذية النبي ﷺ هو الذي ذكره بعده عن ابن عباس - ا -، فيدخل فيه جميع أنواع الأذى للنبي ﷺ، كما قال الله : وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [سورة التوبة:58]، وكذلك مَن قال: هُوَ أُذُنٌ [سورة التوبة:61]، يسمع من جاءه ويقبل قوله، وكذلك في أذية المنافقين فيما يتعلق بقصة زيد وهي متصلة بهذا الموضوع، في تزوج النبي ﷺ من زينب، وجاءت هذه الأمور متتابعة، وكذلك أيضاً لما لمزه من لمزه من قسْم الغنائم، قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وقال النبي ﷺ: رحم الله أخي موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر[3]، فكل هذا من الأذى، يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

  1. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم (الجاثية)، برقم (4549)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر، برقم (2246).
  2. رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
  3. رواه البخاري، كتاب الخمس، باب ما كان النبي ﷺ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، برقم (2981)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه، برقم (1062).