الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال تعالى متوعداً للمنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال عكرمة وغيره: هم الزناة هاهنا وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ يعني: الذين يقولون: "جاء الأعداء" و"جاءت الحروب"، وهو كذب وافتراء.

والارتباط بين هذه الآية والتي قبلها ظاهر، لما ذكر الله  أمْر بالحجاب قال: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ، قبله نهى عن الأذية، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، ثم ذكر الحساب، ثم بعد ذلك، قال: لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ، فوجه الارتباط ظاهر وهو ما يعرف بالمناسبة، فالذين يطعنون في الحجاب، ويقعون في المحجبات، تارة بالسخرية، وتارة برميهن بأقبح الأوصاف، كالذين يقولون: هذه التي تتحجب امرأة غير نزيهة، فهي لأنها تقوم بأعمال مشينة تريد أن لا تعرف، وهذا مما يلقيه الشيطان على ألسن أوليائه، فلربما يستفز بعض النساء في بعض البلاد حينما يسمعن ذلك، ولربما يقال لبعضهن: إن المرأة إذا كانت قبيحة فإنها تغطي وجهها؛ لتستفز الضعيفة، فتبدي زينتها ومفاتنها؛ لتثبت لهم خلاف ما يقولون.

وهنا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ، فمن الأنواع الداخلة تحت العموم، لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، الأشياء الداخلة تحت العموم على ثلاث مراتب من حيث القوة - قوة الدخول -:

المرتبة الأولى: وهي أقوى ذلك ما يسمى بصورة سبب النزول، فهذه لا يجوز إخراجها منه بالاجتهاد، ما نزلت فيه الآية أو الآيات.

المرتبة الثانية: ما دخل بسبب المجاورة، يعني المناسبة، فهذا يليه بالقوة.

الدرجة الثالثة: عموم الأفراد الداخلين تحت العموم، عموم الأفراد.

هذا ذكره بعض الأصوليين، وهذا مثال يصلح له، فالوعيد لعموم المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وأهل الإرجاف، أولى ما يدخلون به هو ما يتصل بما جاوره، بموضوع المناسبة، أولائك الذين يطعنون ويشككون ويحاربون الحجاب والمحجبات، ويسنون القوانين لمنعه، والتضييق عليه، وما شابه ذلك، فهم متوعَّدون بهذا، وقوله - تبارك وتعالى -: لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، الجمهور على أن هذه الأوصاف لموصوف واحد، أن هؤلاء يتصفون بهذه الأوصاف جميعاً، هي فئة واحدة، وفي قوله - تبارك وتعالى - في الآية التي سبقت: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [سورة الأحزاب:32]، قلنا هنا: إن المقصود به الميل المحرم إلى النساء، هنا فسره بعض أهل العلم بهذا المعنى، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يعني: الميل المحرم إلى النساء، بلمز النساء وأذيتهن وما إلى ذلك، والجمهور على أنها أوصاف لموصوف واحد، وأهل النفاق في قلوبهم مرض، وأصحاب أراجيف، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ وأصل الإرجاف من الاضطراب الشديد، رجفت الأرض، أرجف الناس، أصاب الناسَ رجفةٌ، فيكون ذلك بإشاعة الكذب والباطل والأمور التي تسبب للناس الاضطراب والاغتمام، يعني لا يكون ذلك بنشر الأخبار السارة، وإنما ما يسوء الناس ويبعث المخاوف في نفوسهم، فهؤلاء هم المرجفون، وكان ذلك من عمل المنافقين.

لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي: لنسلطنَّك عليهم، وقال قتادة: لنحرّشَنَّك بهم، وقال السدي: لنُعْلِمنّك بهم.

ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا أي: في المدينة إِلا قَلِيلا ۝ مَلْعُونِينَ حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين.

لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ يوضح المراد به ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ يعني: بعقوبتهم والتسلط عليهم، وبأخذهم بجرمهم، وما شابه ذلك، ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ۝ مَلْعُونِينَ يعني: حال كونهم ملعونين.

أَيْنَمَا ثُقِفُوا أي: وُجدوا، أُخِذُوا لذلتهم وقلتهم، وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا.