الحجة يقال لها: سلطان ولهذا في قوله - تبارك وتعالى -: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [سورة الإسراء:33]، وذكرنا هناك الأقوال في السلطان وأن الأقرب - والله تعالى أعلم - أنه يكون له حجة يتسلط بها، فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا صار له حجه يتسلط بها على القاتل فيقتص منه طيب فهنا هذا السلطان ما كان عليه سلطان الحجة، وهكذا قول من قال: قوة أو تسلط كل هذه المعاني صحيحة، يعني ما أخذهم بالقوة ما أجبرهم ما أكرههم، وهذا الإلجاء والإكراه، تارة يكون بالحجة، وتارة يكون بالقهر والتسلط مباشرة على ذواتهم وأجسامهم كما يأخذ الأسير فما كان له عليه من سلطان لا هذا ولا هذا ما كان عليه قوة وتسلط أو حجة إنما غاية ما هنالك التسويل والتزيين والوسوسة، ولهذا قال الله - تبارك وتعالى - عنه: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ [سورة النساء:119]، هذا الأمر ليس أمر إكراه لكن يلقي لهم ذلك ويزينه في قلوبهم، ولهذا نهى الله عن اتباع خطوات الشيطان، ولهذا يقول لهم خطيب في النار - نسأل الله العافية -، يقول: فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم [سورة إبراهيم:22]، قبله يقول: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ أي: بمنقذكم، وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ويتبرأ منهم ما كان لي عليكم من سلطان ما قهرتكم ولا غصبتكم ولا ألزمتكم حتى أتبعتموني دعوتكم فاستجبتم لي فهذا كان باختياركم من غير إكراه وإلجاء فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم أنتم الذين فعلتم في أنفسكم هذا وجهت إليكم دعوة فاستجبتم، - نسأل الله العافية -.
الاستثناء هنا وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ هذا الاستثناء يحتمل أن يكون منقطعاً يعني ما عليهم سلطان أصلاً لكن لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ أصلاً لكن لنعلم من يطيعه في وسوسته ويستجيب لتزيينه وتسويله فيكون الاستثناء منقطع بمعنى لكن، لكن لنعلم، ويحتمل أن يكون مفرقاً أعم الأحوال وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ ما كان له عليهم تسلط بحال من الأحوال إلا ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن؟ - والله أعلم -.
الله - تبارك وتعالى - حفيظ، بمعنى من المعاني الداخلة تحته أنه يحفظ أعمال العباد فالله - تبارك وتعالى - لا يفوته شيئاً من ذلك، فالحفيظ فيه معنى زائد على الشهيد، والرقيب فضلاً عن العليم، والخبير، واللطيف يعني هذا من المعاني التي أو من الأسماء التي تطلب معرفتها فيما يتصل بمراقبة الله في الخطرات والسكنات والأحوال والأعمال وما إلى ذلك فالله - تبارك وتعالى - يطلع على العبد عليم به علمه محيط ويعلم الخفايا خبير ويعلم الدقائق لطيف أحد المعاني الداخلة تحته، وهو شهيد شاهداً عليه بأعمالهم ومع ذلك هو حفيظ، فيحفظ عليهم هذه الأعمال فيجدونها مرصودة ما يذهب منها شيء وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [سورة الكهف:49]، كل واحد يخرج له سجل منشور مفتوح يقراءه يوم القيامة كل ما صدر عنه من الأقوال والأفعال، ومن تاب تاب الله عليه ومحي ذلك عنه.