وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ [سورة سبأ:28-30].
يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ﷺ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ: أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين، كقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف:158]، تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [سورة الفرقان:1]، بَشِيرًا وَنَذِيرًا أي تبشر مَنْ أطاعك بالجنة، وتنذر مَنْ عصاك بالنار.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، كقوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [سورة يوسف:103]، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [سورة الأنعام:116].
قال محمد بن كعب في قوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ يعني: إلى الناس عامة.
وقال قتادة في هذه الآية: أرسل الله محمدا ﷺ إلى العرب والعجم، فأكرمُهم على الله أطوعُهم لله .
و في الصحيحين رَفْعهُ عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة[1].
وفي الصحيح أيضا أن رسول الله ﷺ قال: بعثت إلى الأسود والأحمر[2]، قال مجاهد، يعني: الجن والإنس، وقال غيره: يعني: العرب والعجم. والكل صحيح.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فـ"كافة" فسره بعضهم بكونه ﷺ جامعاً، فسروا هذه اللفظة "كافة" يعني إلا جامعاً للناس ولكنه بعيد، وبعضهم يقول: إِلا كَافَّةً أن ذلك من الكف أي مانعاً لهم من الكفر، كما يقول أبو حيان في البحر المحيط مانعاً كافاً، تقول: كفه عن كذا أي حجزه ومنعه عنه، مانعاً لهم من الكفر، وهؤلاء نظروا إلى هذا المعنى في اللفظة وهو معنى صحيح لهذه اللفظة من حيث هي، كَافَّةً لِلنَّاسِ ولكن السياق قد يفهم منه غير هذا المعنى، وبعضهم يقول: هو صفة لمصدر محذوف "وما أرسلناك إلا رسالة" هذا مصدر "رسالة"، رسالة كافة للناس، وبعضهم يقول: إنه حال يعني أن كافة حال من الناس تقدمت عليه، يعني وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً والمقصود عموم رسالته ﷺ أن رسالته عامة لجميع الخلق، وهذا هو المعنى الأقرب - والله تعالى أعلم - ويدل لهذا هذه النصوص إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، وهكذا في قوله ﷺ وكان في الخصائص التي أعطيها : "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"، وهذا هو المشهور الذي عليه عامة أهل العلم يحتجون بهذه الآية وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ على عموم رسالته ، قال وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لا يعلمون ما عند الله لهم من النفع مثلاً في إرسال الرسل، هكذا ذكر بعض المفسرين، والله تعالى أعلم.
- رواه البخاري، في أوائل كتاب التيمم، برقم (328)، ومسلم، في أوائل كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (521).
- رواه أحمد في المسند، برقم (2742)، وقال محققوه: "حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد - وهو ابن أبي زياد الهاشمي مولاهم - لكنه متابع، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح"، والطبراني في الأوسط، برقم (7439)، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/316).