وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [سورة سبأ:7-9].
هذا إخبار من الله عن استبعاد الكفرة الملحدين قيامَ الساعة واستهزائهم بالرسول ﷺ في إخباره بذلك: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي: تفرقت أجسادكم في الأرض وذهبت فيها كل مذهب وتمزقت كل ممزق.
قوله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ قالوا لبعضهم، قالوا مخاطبين لبعضهم، موجهين الخطاب لهم، هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ، قالوا هذا على سبيل الاستنكار والسخرية والاستبعاد، يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، يعني تفسخت أجسادكم في الأرض وتحللت أنكم ترجعون ثانية؟.
يعني هذا من قولهم، أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، يعني هذا الذي صدر منه حينما قال: إنكم تبعثون من جديد، إما أن يكون مفترًي على الله، وإما أن يكون قد أصيبب في عقله.
قال: أو أنه لم يتعمد لكن لُبّس عليه كما يُلَبَّس على المعتوه والمجنون؛ ولهذا قالوا: أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟ قال الله تعالى رادًا عليهم: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أي: ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه، بل محمد ﷺ هو الصادق البار الراشد الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء، فِي الْعَذَابِ أي: الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله، وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ من الحق في الدنيا.
ثم قال منبهًا لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض...
قوله - تبارك وتعالى -: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ يعني: أن الكافرين في العذاب والضلال، فابن كثير - رحمه الله - فسر العذاب هنا قال: أي الكفر المفضي بهم إلى العذاب، فيكون قد أطلق على العذاب، لما كان الكفر سبباً للعذاب سماه عذاباً؛ لأنه يتسبب به العذاب، ينتج عن الكفر العذاب، فأطلق المسبب على السبب، وبين السبب والمسبب ملازمة لا تخفى، وهذا معروف في كلام العرب يتوسعون في الكلام، ولا إشكال فيه، ويمكن أن يذكر أيضاً مع هذا ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من تفسير ذلك بأنه يُفضي، لمّا كان يُفضي إلى العذاب سماه عذاباً، وما هم فيه من الشقاء بالكفر والضيق والحرج والريب وما إلى ذلك، فإن هذا عذاب في الدنيا قبل الآخرة، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [سورة طه:124]، فالكافرون وإن تنعمت أجسامهم في الدنيا وحصّلوا ألوان الملاذ إلا أنهم في شقاء يعصف بنفوسهم، فإذا كان أهل الإيمان إذا حصل من الواحد منهم بعض المعاصي والذنوب والتقصير أو الغفلة وجد من الوحشة والضيق ما قد يضيق به ذرعاً، فكيف بمن لا يعرف الله ، ولا يتقيه ولا يراقبه، ويفعل كل ما أملتْ عليه نفسه الأمارة بالسوء، وتقوده الشياطين إلى كل فعل قبيح، فمثل هذا كيف تكون حاله؟، ولهذا وعد الله أهل الإيمان بالحياة الطيبة، وهذه الحياة الطيبة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [سورة النحل:97]، هذه تكون في الدنيا كما تكون لهم الحياة الطيبة في الآخرة، لكن في الدنيا تكون لهم حياة طيبة، وليس المقصود بها نعيم الأجساد فإن ذلك غير مراد، ونعيم الأجساد لا يعني تنعم الأرواح، وإنما الروح لها نعيم آخر، ولهذا نقول للذين يُعنون بأجسادهم كثيراً بالتمتع بالملاذ والطيبات، والتوسع في هذا والإكثار طلباً للسعادة والسرور والانشراح، وهكذا كثرة الترويح بأنواعه طلباً لهذا المعنى: إنهم أخطئوا، وإنهم ينقلون معهم هذه النفوس بما فيها من كدر وضيق ووحشة ينقلونها معهم حيث حلوا ثم يرجعون بها كما هي إن لم يكن الحال أسوأ من ذلك، فالطريق ليس هذا، الأرواح لا تنعم بما يحصل للأجساد، وإنما تنعم بأن تتوجه لربها وخالقها - تبارك وتعالى - فتعبده وتتقرب إليه، فإذا اتصلت بالمعبود حصل لها من السرور واللذة والانشراح ما لا يُقادَر قدره، هذا هو الطريق.