بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ يعني بنيناها بقوة، فابن كثير - رحمه الله - هنا يشير إلى معنى أفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ يقول: ثم قال منبهاً لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض..، والمعنى الآخر الذي ذكره طائفة من السلف وهو اختيار ابن جرير - رحمه الله -: أن ذلك محيط بهم، يعني: إلى أين المفر؟، الله قادر عليهم، فالأرض محيطة بهم من كل جانب، والسماء محيطة بهم كذلك، إذا نظروا إلى ما خلفهم وما أمامهم فإنهم يرون السماء والأرض، فهي محيطة بهم، أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا، هذه القرينة التي جعلت هؤلاء يقولون: إن المقصود بذلك أن الله قادر على أخذهم وأن سماءه وأرضه محيطتان بهم تمام الإحاطة فلا يستطيعون الفرار والخلاص، فهذا معنى تحتمله الآية، والمعنى الآخر الذي أشار إليه ابن كثير تحتمله الآية أيضا، والله أرشد إلى النظر إلى خلق السماء وما فيها، وأن ذلك دال على كمال قدرته وقوته حيث يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، يمسك السماوات والأرض، فهو يقيمها، ورفعها من غير عمد، إلى غير ذلك مما تشير إليه الآيات الكريمة في القرآن في مواضع مختلفة، وأن ذلك دليل على كمال القدرة، فهذا المعنى دل عليه القرآن، والأصل أن القرآن يفسر بالقرآن، كما أن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وإذا احتملت الآية معنيين فأكثر ودل على كل واحد منهما دليل من القرآن أو قرينة فإن هذه المعاني ما لم يوجد مانع تكون داخلة في الآية، فذلك دليل على كمال قدرته، وهو أيضاً فيه إشارة إلى إحاطته وإلى قدرته على خلقه، وأنه قادر على أخذتهم وإهلاكهم وتعذيبهم، وفيه إشارة إلى قدرته على البعث، فخلْقُ السماوات والأرض أكبر من خلق هؤلاء الناس الضعفاء، فهم يرون هذه الآيات العظام، الأجرام الكبيرة التي هي أعظم من خلق البشر لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سورة غافر:57]، فإذا خلق هذه المخلوقات العظام فهو على البعث قادر، فذلك لا يعجزه وتقدست أسماؤه.
والكِسَف يعني العذاب، ومعنى الكِسف يعني القطع، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا [سورة الإسراء:92] يعني: قطعاً.
قال: ثم قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ قال مَعْمَر عن قتادة: مُنِيبٍ: تائب.
وقال سفيان عن قتادة: المنيب: المقبل إلى الله .
يعني المعنى واحد، تائب، منيب، أناب رجع إلى الله .
قول ابن كثير - رحمه الله - هنا: أي إن في النظر إلى خلق السماء والأرض لدلالة على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد، قريب منه قول ابن جرير بأن في إحاطة الله الناس بالسماء والأرض، يعني جعلها محيطة بهم من كل جانب حيث نظروا فإنهم يجدونها من كل ناحية، فهذا فيه آية، وذلك أن الله قال: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ إلى أن قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً يعني: بإحاطتها بهم من كل جانب، كلام ابن كثير: في النظر إلى خلق السماوات والأرض دلالة، فهذا غير معارض لما ذكره ابن جرير: ففي خلقها بهذه الصفة العظيمة وإحاطتها بهم من كل جانب آية.