قال: هو الخوف من المحذور، هنا المشهور الحَزن: هو الاغتمام لأمر مضى لأمر فائت، وأن الخوف: هو الاغتمام والقلق لأمر مستقبل، هذا الخوف فهنا كيف يفسر الحزن بمعنى الخوف، قال: هو الخوف الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ تجد في كلام بعض أهل العلم تفسير ذلك بأنه الخوف من الدار الآخرة، والعاقبة التي يصيرون إليها، فهذا مثال عند من يقول: الحزن يأتي بمعنى الخوف، لكن إذا تأملت كلام ابن كثير تجد أنه فسرها بمعنى أوسع من هذا لم يفسرها بمعنى الخوف؛ لأنه قال: هو الخوف من المحذور أزاحه عنا وأراحنا مما كنا نتخوفه ونحذره من هموم الدنيا والآخرة، وأوضح منه وأوسع كلام الحافظ ابن جرير - رحمه الله - الذي جعله عاماً، يعني هذا الموضع يعم كل ما قاله المفسرون، وحاصل قول المفسرين أن هذا الحزن كما يقول سعيد بن جبير مثلاً: أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إن هذا الحزن همّ رغيف الخبز، ولذلك بعضهم صرح بتلقى المعيشة، تجد عند كثير من الناس هما لاسيما إذا كان صاحب عيال، هذا نوع من الهم وهموم الناس هي في المعايش، إنما قال: الرغيف، ومن جعلها بصورة أكبر يقول: العقارات، تقول: التجارات؛ لأن منتهى هذه التجارات إلى الرغيف، فإذا وصلت الحال إلى هذا قامت الثورات التي يقال لها: ثورات الخبز، وهذه حصلت في مرات التاريخ غير قليلة، حينما يصير الناس في ضيق في عيشهم، يصير حال الناس إلى شدة ومعاناة وطول صبر عند ذلك ينقضّون وينقطع الصبر، وبعضهم يقول: إن هذا الحزن، والحزن إنما هو من الخوف من العاقبة، والآخرة خوف من النار، وبعضهم يقول: المقصود به ما يجدونه في الدنيا من أنواع الهموم أيًّا كان مصدرها وأن الدنيا دار كبد فما يعتورهم من هذه المخاوف والآلام والأحزان وما يتقضى عليهم من الأمور الفائتة التي فيها ذهاب محبوباتهم أن ذلك داخل به إلى غير هذا من الأقوال، بعضهم حمل ذلك على أمر الآخرة، وبعضهم جعلها في الدنيا، والأقرب أنه في ذلك جميعاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فمن هذا الحزن ما جاء في الحديث الذي ذكرته آنفاً في الظالم نفسه، أولائك الذين يحاسبون طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، فهذه المعاني التي يذكرها السلف كلها داخلة فيه، وأولى ما يدخل فيه ما جاء عن النبي ﷺ من أن ذلك يكون من قول الظالم لنفسه حينما يلقى الحساب ثم تكون عاقبته بعد ذلك إلى الجنة فيقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، فهذا داخل فيه، وكذلك يؤخذ من عموم اللفظ سائر الأحزان التي تكون في الدنيا فإن الجنة ليس فيها حزن ولا غم ولا تعب، لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ، فهذا الحزن والكدر حزن من فوات المحبوب، حزن لوقوع مرض، حزن لإخفاق في تجارة، لإخفاق في دراسة، حزن لانفراط في مصالحه علاقات تقطعت أواصرها وما إلى ذلك، كل هذا يذهب في الآخرة، وهذا يؤخذ منه معنى كبير وهو أن العاقل ينبغي أن يدفع عن نفسه الحزن وأنه لا خير فيه إلا إن كان ذلك من جراء الخوف من الله والدار الآخرة، يعني أن يكون مفسَّراً بمعنى الخوف، إلا أن يكون ذلك من ذنوب مضت فإنه يحزن، وهذا الحزن هو بمعنى الندم بهذا الاعتبار فهذا مطلوب؛ لأنه من شروط التوبة، ولا إشكال فيه، وأما الحزن للحزن كأن يجتر الإنسان شريط الذكريات السيئة فيما مضى، يجتر الأحزان فيبقى كئيباً فهذا لا خير للإنسان فيه إطلاقاً، وهذا كما قال شيخ الإسلام يضعف قوى القلب ويهدمها فلا ينتفع بعمل دنيا ولا عمل آخرة، وبعض الناس لربما يهوى هذا ويطلبه بأسباب متنوعة إما أنه يسترسل مع الأفكار، ويجتر كل ذكرى سابقة قديمة، أو يكون هذا الإنسان يتلقف الأخبار في العالم مع وسائل الاتصال الآن الجوال وغيرها والوتس اب والصحف وإلى آخره فكل خبر هذه شغالة ذبحت مدري من في الحمام، وهذه شغالة طعنت هذا، وهذه شغالة فعلت كذا، وهذا واحد مذبوح، وصورة آخر مطعون بسكين في ظهره، ثم يبدأ بحال من ضعف القلب والحزن والألم، لماذا تجمع هذا الذي في العالم من الأحزان والأمور المؤلمة تجمعه كله جميعاً وتجعله في قلبك؟ هذا لا يفعله عاقل، وأسوء من هذا حالاً بعض الناس الذين يبحث عن الأشياء المحزنة يسمع قصائد محزنة وبصوت حزين ويأنس ويطرب لسماعها، وبعضهم يدعي أنه يريد أن يبكي عنده رغبة بكاء نقول: يا أخي اقرأ القرآن تذكر الدار الآخرة، تذكر ما عند الله همٌّ أنك تبكي وتسمع القصائد الملحنة بصوت فيه حزن ونحو ذلك، ثم معانٍ حزينة وناس ماتوا سقط عليهم كذا وحصل لهم كذا يرثيهم ويرثي أهله ماتوا جميعاً بصورة مؤلمة، ثم يجتر هذه الأحزان، هو حتى لا يعرفهم ولا يعرف هذا حقيقة أو فيه مبالغة أو خيال حتى يقول: أنا أريد أن أبكي ولي رغبة في البكاء، فيسمع هذه الأشياء، أنا أحدث عن أشياء شاهدتها فهؤلاء يستغنون عن سماع القرآن، ويسمعون هذه القصائد والألحان وأشياء من هذا القبيل، هذا غلط لا يفعله عاقل، واللائق بنا أننا نحرص ونجمع ما يبعث الأمل ويقوي القلب، ويبعثنا على العمل وأن تشرق الآفاق والدنيا حتى لا يشعر الإنسان بيأس ولا إحباط ولا عراقيل وأوهام وقيود تقيده وتقعده وتثقله عن الانطلاق، فيعمل بطاعة الله ويدعو إلى سبيله، ويكون صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره هذا هو المطلوب، أما الضعفاء والذين يبحثون عن الأمور المحزنة فهذا غير محمود، بل حتى الإنسان لابد له من حزن، لابد له من أمور يضيق بها صدره؛ لأن هذه الحياة جُبلت على هذا ولا يمكن أن تحول عن طبيعتها وجبلّتها، ولكن العاقل له ثقة مع النفس فيدافع هذه الأمور يدفعها عن نفسه ولا يسترسل معها، وجاء عن بعض السلف أنه ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة، ويخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ هذا الحزن يحمد في حال واحدة فقط ما كان من جهة الخوف من الله والدار الآخرة فقط إذا فعل معصية يندم، قد قصر بحق الله يندم، يحزن هو في خوف دائم من الله، هذا فقط المحمود الذي ينفع ويبعث على العمل وترك مالا يليق، وما عدا ذلك فلا خير فيه، مثل الذي يحتفظ بصورة للميت وكل مدة يفتحها ويطالع فيها يتذكر كل لحظة معه، إلى متى يجدد المصيبة؟!.