الثلاثاء 12 / محرّم / 1447 - 08 / يوليو 2025
وَأَقْسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

 

"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا ۝ اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [سورة فاطر:42-43].

يخبر تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم قبل إرسال الرسول إليهم: لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ أي: من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل، قاله الضحاك وغيره، كقوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ۝ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا [سورة الأنعام:156-157]، وكقوله تعالى: وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ۝ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ ۝ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ۝ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [سورة الصافات:167-170].

قال الله - تعالى -: فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ وهو محمد ﷺ بما أنزل معه من الكتاب العظيم، وهو القرآن المبين مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا أي: ما ازدادوا إلا كفرًا إلى كفرهم.

ثم بيَّن ذلك بقوله: اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ أي: استكبروا عن اتباع آيات الله، وَمَكْرَ السَّيِّئِ أي: ومكروا بالناس في صدِّهم إياهم عن سبيل الله، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.

وقوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ يعني: عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا أي لا تُغير ولا تبدل، بل هي جارية كذلك في كل مكذب، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا أي: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ [سورة الرعد:11]، ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد.

قوله - تبارك وتعالى -: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ يعني مجتهدين في اليمين، يعني بأقصى ما يستطيعون، ما أمكنهم ذلك لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا يقول: أي من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل، قاله الضحاك وغيره يعني أنه حمل ذلك على العموم، أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ من جميع الأمم، وقيده بعضهم بالمكذِّبة التي خلت من قبلهم، وبعضهم حمل ذلك على الأكمل في الأوصاف لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ من الأمة التي يقال لها ذلك، كأنها متفردة في الكمال ومفضلة على غيرها، فيقول: هذه إحدى الأمم، يعني متوحدة بالفضل والتفضيل على غيرها، وابن جرير - رحمه الله - يقول: إن المعنى من إحدى الأمم التي خلت من قبلهم، وهذا يشبه كلام ابن كثير - رحمه الله -، لكن كلام ابن جرير يكون أدق أو أوضح مما قاله ابن كثير، يعني ابن كثير نقل قول الضحاك: أي من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام - جميع الأمم، وعبارة ابن جرير: من إحدى الأمم التي خلت من قبلهم، يعني هذا يرجع إلى دليل الأمم، - والله تعالى أعلم -، وأما قوله - تبارك وتعالى -: اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ قال: أي استكبروا عن اتباع آيات الله، وبعضهم يقول: لأجل الاستكبار، من أجل الاستكبار في الأرض ومن أجل المكر السيئ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ۝ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ لأجل الاستكبار في الأرض وَمَكْرَ السَّيِّئِ أي ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله - تبارك وتعالى -، مكر السيئ: بعضهم يقول: فيه مقدر محذوف وَمَكْرَ السَّيِّئِ مكر العمل السيئ، أو مكروا مكر السيئ، فالمكر هنا مضاف إلى صفته، مكر موصوف بالسوء، يعني مثل مسجد الجامع، والصلاة الأولى، فأضيف إلى صفته وَمَكْرَ السَّيِّئِ، يعني مكروا المكر السيئ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ يحيق هذه اللفظة - حاق - فيها معنى الإحاطة، يعني ولا يحيط، ومن فسره بأنه لا ينزل ولا يقع إلى آخره فهذا تفسير له بالمقارب.