الإثنين 19 / ذو الحجة / 1446 - 16 / يونيو 2025
وَٱللَّهُ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ۝ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ۝ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [سورة فاطر:9-11].

كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها - كما في أول سورة الحج - ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها، فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [سورة الحج:5]، كذلك الأجساد، إذا أراد الله سبحانه بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطرا يعم الأرض جميعًا فتنبت الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض؛ ولهذا جاء في الصحيح: كل ابن آدم يبلى إلا عَجْبُ الذَّنَب، منه خُلق ومنه يُركّب[1]؛ ولهذا قال تعالى: كَذَلِكَ النُّشُورُ.

وفي حديث أبي رَزِين: قلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: يا أبا رزين، أما مررت بوادي قومك مُمحِلا ثم مررت به يهتز خَضِرًا؟، قلت: بلى. قال: فكذلك يحيي الله الموتى[2].

في الحديث: الحبة في حميل السيل[3]، النبتة الخضراء الصغيرة التي تنبت في مجرى فيما يحمله السيل فتنبت نبتة قرأها باعتبار الحديث، فتلك نبتة خضراء صغيرة تكون منثنية صفراء في البداية ثم بعد ذلك تبدأ في حميل السيل، ما يحمله السيل من أشياء كما هو معروف فتنبت فيها حبة يقال لها حِبة، وأما الحب فواحدها حبة، فهذه إذا بذرت في الأرض بذوراً يقال لها: حبة، كما تنبت الحبة في الأرض فلا حاجة إلى تخصيصها - والله تعالى أعلم - هنا بكلام ابن كثير - رحمه الله -، الحبة.

وقوله - تبارك وتعالى -: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ كما سبق في قوله: أَرْسَلَ الرِّيَاحَ في قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ، وهذا في مقام الاحتجاج على البعث والنشور هذا أحد الأنواع التي وردت في القرآن في مواضع على الاستدلال على البعث، الاحتجاج والاستدلال بإحياء الأرض بعد موتها، خروج النبات بنزول المطر، والأنواع الأخرى معروفة في سورة البقرة مثلاً في طيور إبراهيم وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا [سورة البقرة:260] وكذلك أيضاً في قتيل بني إسرائيل في سورة البقرة فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى [سورة البقرة:73]، وكذلك الذي مر على قرية في سورة البقرة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ [سورة البقرة:259] إلى غير ذلك، فأخبار الإحياء كذلك في الصعقة التي حصلت لبني إسرائيل في نفس سورة البقرة فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ۝ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ [سورة البقرة:55-56] على أحد القولين أن هذه الصعقة صعقة موت وهذا هو الراجح لقوله: ثُمَّ بَعَثْنَاكُم كل هذه أدلة في سورة البقرة فقط على إحياء الموتى إلى غير هذا من الأدلة مثل إخراج النار من الشجر الأخضر، وكذلك بالاحتجاج إلى خلق السماوات والأرض والأجرام العظام، وكذلك بالاحتجاج بالنشأة الأولى "كما بدأنا أول خلق نعيده" أنواع من الأدلة في القرآن على البعث والنشور؛ لأن المشركين كانوا يكذبون بذلك فهذا أحد هذه الأنواع، فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا فهي عملية إحياء تتكرر ونشاهدها لكن لا نعتبر بذلك.

  1. رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين، برقم (2955).
  2. رواه أحمد في المسند، برقم (16192)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف لجهالة حال وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ"، وبرقم (16194)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف لانقطاعه"، والحاكم في المستدرك، برقم (8682)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
  3. رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب صفة الجنة والنار، برقم (6560)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم (182).