يعني بخلاف حال المنافق فهو في العلانية أمام الناس يبدي تحرزاً وتحفظاً من مواقعة ما لا يليق، وأما في حال السر فإنه ينتهك محارم الله ولا يبالي، فهنا أثنى على هؤلاء، وجعلهم المنتفعين بالنذارة إِنَّمَا تُنذِرُ وجاء بأسلوب الحصر كأن النذارة محصورة في هؤلاء مع أنه منذر للجميع لكن لمّا كان هؤلاء الذين ينتفعون بذلك أتى بهذا الأسلوب، وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ يعني أهل الإيمان وليسوا بأهل النفاق، فهؤلاء هم الذين ينتفعون بهذا، وهذا يدل على أهمية هذا الوصف، ومنزلته في الإيمان، الخشية بحال الغيب إذا غاب عن أنظار الناس أن يراقب الله - تبارك وتعالى - فهذه درجة عالية ينتفع صاحبها غاية الانتفاع بالتذكير إذا كان مراعياً، وحافظاً لله في حال سره، وغيبته، فهذا يدل على أنه بلغ مرتبة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك[1]، ومن بلغ هذه المرتبة العالية فإنه يكون في غاية الانتفاع بالتذكير، والموعظة، ويضعف أثرها في قلبه إذا انحط عن تلك المرتبة بحسب درجته؛ ولهذا كما ترون الناس في الموعظة في المسجد في خطبة الجمعة وما إلى ذلك يخرجون على درجات متفاوتة منهم من يخرج كما دخل، ومنهم من يتأثر بما سمع، وينتفع، ويلين قلبه، ويستجيب.
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة، برقم (50)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة، برقم (8).