"قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا أي: فكيف أوحي إليكم وأنتم بشر، ونحن بشر، فلم لا أوحي إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة، وهذه شبهة كثير من الأمم المكذبة كما أخبر الله - تعالى - عنهم في قوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا [التغابن:6] فاستعجبوا من ذلك، وأنكروه.
قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا لو كان المسيح - عليه الصلاة والسلام - أرسل من الحواريين ما احتاجوا أن يقولوا: مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا المسيح سيرسل لهم بشراً من أصحابه، إنما ذلك يقوله الكفار عادة إذا جاءهم من يقول: أرسلني الله إليكم، فيستكثرون ذلك، ويستعظمونه، ويقولون: لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً [فصلت:14].
"وقوله: قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [إبراهيم:10]، وقوله حكاية عنهم في قوله: وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ [المؤمنون:34]، وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً [الإسراء:94]، ولهذا قال هؤلاء: مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ [يس:15-16] أي: أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين: الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو كنا كذَبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا، وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار كقوله تعالى: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [العنكبوت:52]".