ولهذا بعض أهل العلم يرى أن القمر لو حصل له خسوف بعد صلاة الفجر مثلاً يقول: هذا في غير سلطانه، سلطانه في الليل، فلا تصلى صلاة الخسوف، هكذا يقول بعض أهل العلم، والمسألة فيها كلام معروف، والنبي ﷺ لم يقيدها بهذا القيد، فهي آية من آيات الله، وإذا رأى الناس ذلك فزعوا إلى الصلاة.
"وقال عكرمة في قوله: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ: يعني: أن لكل منهما سلطاناً، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.
وقوله: وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ يقول: لا ينبغي إذا كان الليلُ أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار، فسلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل.
وقال الضحاك: "لا يذهب الليل من هاهنا حتى يجيء النهار من هاهنا" وأومأ بيده إلى المشرق".
يعني ما يكون في وقتٍ بين بين مثلاً، يكون مختل السير أعني اختلال سير الشمس، والقمر، أو تداخل هذا وهذا، أو تقدم هذا بهذا، فالليلة سابقة لليوم، فما تنقلب هذه الأشياء أو تتدارك.
"وقال مجاهد: وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ يطلبان حثيثيْن، ينسلخ أحدهما من الآخر.
والمعنى في هذا: أنه لا فترة بين الليل والنهار، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخٍ؛ لأنهما مسخران دائبيْن يتطالبان طلباً حثِيثًا.
هذه الأقوال متقاربة لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ لا تسبقه، وكذلك أيضاً لأن سبق الليل النهار مع أن الشمس تسبق القمر فهي لا تدركه، ولا تسبق القمر، ولا تتداخل معه، وإنما يسيران في نظام منذ خلقهم الله - تبارك وتعالى - لم يحصل تغير، ولم يحصل تخلف، وتأخر، وبطء أو تعطل كما يحصل في آلات الناس.
"وقوله: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يعني: الليل، والنهار، والشمس، والقمر، كلهم يسبحون، أي: يدورون في فلك السماء؛ قاله ابن عباس، وعِكْرِمة، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطاء الخرساني، قال ابن عباس وغير واحد من السلف: "في فَلْكَةٍ كفَلْكَة المِغْزَل".
المغزل هو الصِّنارة، ويكون فيه فلكة مكورة من الصوف الذي يغزل، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ لماذا قال الليل، والنهار، والشمس، والقمر؟ باعتبار الجمع وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ هما اثنان: الشمس، والقمر وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، وبعضهم قال: الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب؛ لأن القمر من قبيل الكواكب، والشمس من قبيل النجوم، فكلٌّ في فلك يسبحون، ويمكن أن يقال: إن ذكر الجمع يَسْبَحُونَ باعتبار أن أقل الجمع عند جماعة من أهل العلم اثنان، كما قال في المراقي:
أقل معنى الجمع في المشتهرِ | الاثنان في رأي الإمام الحميري |
عند الإمام مالك بن أنس - رحمه الله -، والله يقول: فإن كان له إخوة فلأمه السدس ويكون ذلك باثنين، فالحاصل أنه هنا عبَّر بالصيغة التي يعبر بها عن العقلاء "يسبحون"، فتحدث عنها حركة، وانتقالاً، وجرياً الليل والنهار، والشمس والقمر ... إلى آخره كالحديث عن العقلاء، فأجرى عليها ما يجري على العقلاء في الاستعمال، والصيغ، وهذا كثير في القرآن وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [سورة يوسف:4] ما قال: ساجدات، كما يقال عن غير العاقل؛ لأن السجود من أفعال العقلاء، فاستعمل لها ما يستعمل للعقلاء، وهكذا في الأصنام، وكذا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا [سورة الأعراف:195] ما قال تبطش؛ لأنه جعلهم آلهة فقط عقلاء، فعاملهم بحسب تصورهم عنها - والله أعلم -.