الإثنين 20 / ربيع الآخر / 1447 - 13 / أكتوبر 2025
وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلْعُرْجُونِ ٱلْقَدِيمِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم قال: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ أي: جعلناه يسير سيرًا آخر يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل، والنهار".

يعني القمر قدرناه منازل ثمانية وعشرين منزلاً.

"كما قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [سورة البقرة:189]، وقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ الآية [سورة يونس:5]، وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [سورة الإسراء:12]، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم، وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفًا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار، ويقصر الليل، ثم يطول الليل، ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلاً قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية، ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسًا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم".

حتى يصير كالعرجون القديم: أي في آخر الشهر، والجمع، والتثنية رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [سورة الرحمن:17]، بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ [سورة المعارج:40] فبعضهم يقول: مشرق الشمس والقمر، وبعضهم يقول: أقصى نقطة في الشروق صيفاً، وأقصى نقطة في الشروق شتاءً، وأقصى نقطة في الغروب صيفاً، وأقصى نقطة في الغروب شتاءً، بمعنى أن الشمس في طلوعها تكون في الشتاء في أقصى نقطة مجراها، ومكان شروقها من جهة المشرق إلى جهة الشمال في الشروق؛ هذا في الشتاء، ثم بعد ذلك تنتقل إلى الجنوب في الغروب فتغرب غرباً من جهة الجنوب في أقصى نقطة لها؛ فتجد الظل في هذه الناحية إلى ناحية الشمال في منتصف النهار، ونحو ذلك يبقى الفيء، ثم في كل طول السنة تنتقل درجة درجة إلى أن تنتقل من الجهة الأخرى في الصيف فيكون شروقها في أقصى نقطة إلى جهة الغروب، ثم بعد ذلك تذهب في غروبها في أقصى نقطه إلى جهة الشمال، يعني لا تكون فقط من جهة واحدة تخرج وتطلع طول السنة، وإنما تنتقل درجات في مشارقها، وفي مغاربها بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ هذا معنى لهذه الآية، فالحاصل أنها تنتقل في مطالعها، ومغاربها؛ صيفاً، وشتاءً، وهكذا القمر قدره منازل تطلع في أول ليلة من الشهر فيكون ضئيلاً، قليل النور، العرب أو أهل الفلك يقولون: هذه المطالع الثمانية والعشرون أربعة عشر منها شامية، وأربعة عشر منها يمانية، وهي التي تجدونها في التقويم، أحياناً تجدونها في مجموعها ثمانية وعشرين، فأولها يعني الشامية: الشرطين، ثم البطين، ثم الثريا، ثم الدبران، ثم الهقعة، ثم الهنعة، ثم الذراع، ثم النثرة، ثم الطرف، ثم الجبهة، ثم الزبرة، ثم الصرفة، ثم العوّا، ثم السماك، هذه أربعة عشر شامية، وأما اليمانية فهي: الغفر، والزبانا، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، ومقدم الدلو، ومؤخر الدلو، والحوت، هذه أربعة عشر يقولون عنها: إنها يمانية، فهو لا يزال ينتقل في هذه المنازل، فإذا كان في آخر الشامية اكتمل وصار بدراً، ثم بعد ذلك يبدأ بالتحول، وينتقص شيئاً فشيئاً حتى يصير كالعرجون القديم، والعرجون القديم أصل العذق الذي فيه قنو التمر، فالعرجون القديم الآن إذا نظرتم إلى النخيل تجدون ما بقي من العام الماضي متقوساً، الذي فيه الشماريخ التي يكون فيها الرطب، فهذا العود الذي يمسكها هذا يقال له: العذق، هذا العذق يتقوس، وييبس من ثقله، يتقوس يحمل الرطب التمر،  فإذا أُخذ هذا الرطب تساقط، ويبقى، قد عاد على هذا فيكون مقوساً، فإذا يبس صار مثل القوس الدقيق حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ فكلمة عاد من الأضداد، عاد هل كان كالعرجون القديم من قبل؟ لا وإنما هنا بمعنى صار، حتى يصير كالعرجون القديم، ذكرنا مثل هذا أنه يحتمل أن الساعة لا تقوم حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، ويحتمل أن تكون بمعنى تصير، تحتمل أن تكون مثل ذلك، هكذا يحتمل، فهنا بمعنى صار.

"قال ابن عباس: "وهو أصل العِذْق"".

والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر، فيسمون الثلاث الأول "غُرَر"، واللواتي بعدها "نُفَل"، واللواتي بعدها "تُسع"؛ لأن أخراهن التاسعة، واللواتي بعدها "عُشَر"؛ لأن أولاهن العاشرة، واللواتي بعدها "البيض"؛ لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن، واللواتي بعدهن "دُرَع" جمع دَرْعاء؛ لأن أولهن أسود؛ لتأخر القمر في أولهن، ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود، وبعدهن ثلاث "ظُلم"، ثم ثلاث "حَنَادس".

حنادس يعني شديدة الظلام.

"وثلاث "دآدئ"، وثلاث "مَحاق" لانمحاق القمر أول الشهر فيهن، وكان أبو عُبيد ينكر التُّسع والعُشَر، كذا قال في كتاب "غريب المصنف".