السبت 09 / محرّم / 1447 - 05 / يوليو 2025
سَلَٰمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ أي: من جميع أنواعها".

التنكير هنا يعني للتعظيم في الفاكهة لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ يعني عظيمة، كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً [سورة البقرة:25] فيها قولان:

القول الأول: أنهم أتوا به متشابهاً يعني يشبه ما عهدوا في الدنيا إلا أن الطعوم، والحقائق تختلف، فهذا رمان، وهذا عنب ونحو ذلك، لكنه هناك شيء آخر في طعمه، وحقيقته، وصفته.
والقول الثاني: وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً يعني يشبه هذا الذي رزقوه قبله في الجنة، فإذا ذاقوا طعمه فإنهم يجدون لوناً من الطعوم آخرَ جديداً وما إلى ذلك وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً.

"وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ أي: مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ".

يعني ما يتمنون وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ما يتمنون، ما تمنوه وجدوه، وفي كثير من الأحيان إذا جاء الحديث عن نعيم الجنة سألت النساءُ خاصة النساء اللاتي لم يتزوجن: الرجال لهم الحور العين؛ فماذا للنساء؟

الجواب: إن ذلك لم يرد فيه شيء لخصوصه، ولكنه ذكر نعيم أهل الجنة نعيم الرجال؛ لأن العادة جرت أن تذكر النساء في جملة ما يذكر في النعيم كما قال الله في ذكر اللذات، والشهوات زُيِّنَ لِلنَّاسِ وهذا يشمل الرجال، والنساء؛ في الأصل لفظ الناس حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة آل عمران:14] من النساء، طيب والنساء هل زين لهن الرجال؟ لما كانت العادة أنه إذا ذكرت الشهوات، واللذات؛ فإن أول ما يتبادر للذهن النساء، وهذا أمر معروف في كلام الناس في مخاطباتهم، فهنا ما يرِد أن تقول امرأة مثلاً: "زين للناس حب الشهوات من الرجال"، أُنسِى هذا على طريقة ومعهود العرب، فإن اللذات إذا ذُكرت ذُكر النساء؛ لأنها أعظم اللذات، وهكذا لما ذكر الله - تبارك وتعالى - نعيم أهل الجنة يذكر الحور العين؛ الأزواج المطهرة، وماذا للنساء؟ لم يذكر، لكن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، وهنا قال: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ في الموضع الآخر: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [سورة الزخرف:71] ما الذي تطلبه النفوس؟ فليس هناك نعيم منغص، ولا نعيم ناقص في الجنة، فنعيمها كامل، وكل ما تطلبه النفوس تجده، ويكفي هذا العموم، والإجمال، فتجد المرأة في غاية النعيم، والرجال في غاية النعيم، فهي دار ليس فيها للحرمان معنى، ولا للتنغيص والكدر محل؛ ولذلك عفا الله عنهم فذكر الخلود، ونفى عنهم سائر المنغصات رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [سورة المائدة:119]؛ لأن كمال التنعم بالشيء لا يحصل إلا مع حصول الرضى، فقد تكون في محل تتنعم فيه، في استراحة، في قصر، في كذا، ولكنّ بقاءك فيه ليس كما ينبغي بحيث إنه لا يكون مأذوناً فيه أو نحو ذلك، فيبقى الإنسان غير مستريح في تنعمه، وبقائه رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ، وكذلك ما أخبر عن نزع الغل عنهم كل هذا لكمال النعيم، فهو مقام كريم ليس فيه جار سوء، وليس فيه منغصات، ولا مزعجات، ولا لغو، ولا تأثيم إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا [سورة الواقعة:26]، فهنا لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ، وفسره بعضهم كالزجاج بأن ذلك من الدعاء، يعني ما يدعون ما يطلبون، وبعضهم يقول غير ذلك كقول من قال: المعنى وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ يعني من ادعى منهم شيئاً فهو له، من ادعى شيئاً في الجنة فهو له، لكن الأقرب - والله تعالى أعلم - وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ يعني ما يتمنون، وتطلبه نفوسهم، ويمكن أن يكون القول الثاني - لهم ما يطلبون - مضمناً في القول الأول، فإذا كانوا يتمنون شيئاً فيحصل لهم فهذا التمني هو طلب للنفوس، فإن التمني من مطالبها؛ فإذا كان الشيء بعيد المنال قيل له أمنية، وإذا كان قريب المنال قيل له رجاء.

"وقوله: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قال ابن جريج: قال ابن عباس في قوله: سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ: "فإن الله نفسه سلام على أهل الجنة".

وهذا الذي قاله ابن عباس كقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [سورة الأحزاب:44]".

هنا وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ۝ سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يكون الوقف على قوله: يَدَّعُونَ تاماً، ثم قال: سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فيكون هذا مبتدأ، يعني لهم سلام مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يعني هذه جملة جديدة وليست متعلقة بما قبلها، يعني ليس المعنى كما يقول بعضهم: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ۝ سَلامٌ، وبعضهم يقول: إنه سلام يعني خبر ذو سلامة، يعني أنه خالص ذو سلامة سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، وبعضهم يقول: إنه بدل - سلام يعني - رفع على البدل من ما وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ۝ سَلامٌ يعني ولهم أن يسلم الله عليهم، وأن هذه أمنية أهل الجنة، فكأنه يقول: ولهم سلام من ربٍ رحيم بهم - تبارك وتعالى -، فهذا قال به أصحاب معاني القرآن كالزجاج، وما ذكر قبله - والله أعلم - أولى، وأقرب، وبعضهم يقول: إن سَلامٌ ارتفع هنا على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو أنه مبتدأ وخبره محذوف، أي سلام لهم، يكون مرفوعاً على أنه مبتدأ، وأن الخبر محذوف سلام لهم، أي سلام يقال لهم، وبعضهم يقول غير هذا، بعضهم يقول: إن الخبر قوله من رب رحيم، والآية فيها قراءات أخرى غير متواترة، ولكن الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن قوله: سَلامٌ بمعنى أن الله يسلم عليهم، أن الله يسلم عليهم سلاماً كائناً لهم من الله - تبارك وتعالى - سَلامٌ قَوْلاً فهذا منصوب على المصدرية بفعل محذوف، قال الله لهم ذلك: سَلامٌ قَوْلاً، أو يقوله لهم قَوْلاً، أو يقال لهم قولاً، سَلامٌ قَوْلا سلام لهم قولاً، أو يقال لهم قولاً من الله - تبارك وتعالى -.