الجمعة 08 / محرّم / 1447 - 04 / يوليو 2025
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا۟ ٱلشَّيْطَٰنَ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ هذا تقريع من الله للكفرة من بني آدم، الذين أطاعوا الشيطان وهو عدو لهم مبين، وعصوا الرحمن وهو الذي خلقهم، ورزقهم؛ ولهذا قال: وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ أي: قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان، وأمرتكم بعبادتي، وهذا هو الصراط المستقيم، فسلكتم غير ذلك، واتبعتم الشيطان فيما أمركم به؛ ولهذا قال: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا والمراد بذلك الخلق الكثير قاله مجاهد، والسُّدِّيّ، وقتادة، وسفيان بن عيينة".

قوله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ يعني على ألسن رسلي، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ يعني ألم أتقدم إليكم على ألسنة رسلي ألا تعبدوا الشيطان، وتعبدوني؟، وبعضهم يقول: إن ذلك العهد المشار إليه هنا هو أخذ الميثاق حينما كانوا في صلب أبيهم آدم ﷺ، فاستخرجهم الله - تبارك وتعالى - على هيئة الذر وذلك قوله - تبارك وتعالى -: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ [سورة الأعراف:172]، فبعضهم يقول: هذا هو المراد بهذا العهد الذي أخذه، وبعضهم يقول: العهد هذا المشار إليه أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ بما نصبه من الدلائل على وحدانيته - تبارك وتعالى -، والأقرب - والله أعلم - هو الأول أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ يعني ألم أتقدم لكم على ألسنة رسلي أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ وَأَنْ اعْبُدُونِي [سورة يس:60-61]، والعهد يأتي بمعنى الوصية، يقول: عهد لي بالخلافة، عهد إليه بكذا وكذا، ألم أعهد إليك بكذا؟ يعني أوصيك بكذا.

وقوله: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا هذه القراءة التي نقرأ بها وهي قراءة نافع وعاصم جِبِلًّا، وفي قراءة أبي عمرو وابن عامر جُبْلاً كثيراً، وقرأ الباقون: جُبُلاً كثيرًا وذلك يرجع - والله أعلم - إلى معنى واحد جِبِلًّا كثيراً يعني خلقاً كثيراً، أضل منكم خلقاً كثيراً.

"وقوله: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ؟ أي: أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له، وعُدُولكم إلى اتباع الشيطان؟!".