الأحد 03 / محرّم / 1447 - 29 / يونيو 2025
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال الله - تعالى -: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ أي: لا تقدر الآلهة على نصر عابديها، بل هي أضعف من ذلك، وأقل، وأذل، وأحقر، وأدحر، بل لا تقدر على الانتصار لأنفسها، ولا الانتقام ممن أرادها بسوء؛ لأنها جماد لا تسمع، ولا تعقل.

وقوله: وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ قال مجاهد: يعني: عند الحساب، يريد أن هذه الأصنام محشورة مجموعة يوم القيامة، محضرة عند حساب عابديها؛ ليكون ذلك أبلغ في خِزْيهم، وأدل عليهم في إقامة الحجة عليهم.

وقال قتادة: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ يعني: الآلهة، وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرًا، ولا تدفع عنهم سوءاً؛ إنما هي أصنام.

وهكذا قال الحسن البصري، وهذا القول حسن، وهو اختيار ابن جرير - رحمه الله -".

فقوله - تبارك وتعالى -: وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ قال الحافظ: والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيراً، ولا تدفع عنهم سوءاً؛ إنما هي أصنام إلى آخر ما قال، والمعنى أن الكفار جند للأصنام محضرون، وكما يقول الحسن يعبر عن عبارات السلف، مفيد ليتبين المراد، يعني هذا القول الذي هذه الأصنام والآلهة يدفعون عنها في الدنيا، وهكذا قول الزجاج بمعنى أنهم ينتصرون لهذه الأصنام في الدنيا، وهي لا تستطيع نصرهم، وعلى هذا الاعتبار يكون الضمير في قوله: وَهُمْ يرجع إلى المشركين، لا يستطيعون أي الآلهة، نصرهم نصر المشركين، عبدوها من أجل أن تنصرهم وهي لا تستطيع نصرهم وَهُمْ يعني المشركين لَهُمْ الضمير الثاني يرجع إلى الآلهة، فالمشركون لآلهتهم أصنام لهذه المعبودات، جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ينتصرون لها، ويذبون عنها، ويستميتون في سبيلها، ويوالون فيها، ويعادون، فهم جند لهذه الآلهة الباطلة في الدنيا رجاء النصر منها، والمدد وما إلى ذلك، وهي لا تستطيع من ذلك قليلاً ولا كثيراً، فالضمير الأول يرجع إلى المشركين على هذا القول، والضمير الثاني يرجع إلى الآلهة وهم: أي المشركون لهم: للأصنام جند، المشركون جنود مجندة لهذه الأصنام يبذلون في سبيلها الغالي والرخيص، وبعض السلف كمجاهد عكس ذلك فقال: وَهُمْ أي الأصنام الآلهة، لهم أي للمشركين جند محضرون يعني في الآخرة، وهذا رده كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - باعتبار أن هذه الآلهة تكون عدواً لهؤلاء العابدين لها من دون الله - تبارك وتعالى - كما أخبر الله - تبارك وتعالى - في غير ما موضع من القرآن وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [سورة الأحقاف:6] فلا يمكن أن يكون الضمير الأول يرجع إلى الآلهة، والثاني للمشركين باعتبار أنه يوم القيامة كما يقوله مجاهد، فتحضر جُنْدٌ مُحْضَرُونَ فتكون جنداً محضرة لهؤلاء العابدين لها من دون الله ، فهي في الواقع لا تنصرهم، ولا تنفعهم؛ لا قليلاً، ولا كثيراً، فهم يعادونهم، وهذا القول الذي ذكره الحافظ ابن كثير، ورجحه قبله ابن جرير، ونقله جماعة من هنا من السلف؛ هو الأقرب - والله تعالى أعلم -، وَهُمْ يعني المشركين وَهُمْ يعني الآلهة جُنْدٌ فإذاً لم تستطع نصرهم وهم مع ذلك يبذلون كل مستطاع في الذود عنها، والمحاماة، لكن كما قلت: هذا مثال على جمع أقوال السلف في التفسير التي يتضح بها المراد، يعني لو بقينا مع قوله مثلاً: وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ إذا نظرنا إلى بعض الأقوال فقط عن السلف قد لا يتبين المراد قال قتادة: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُم [سورة الأنبياء:43] يعني الآلهة، وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق لهم خيراً، ولا تدفع عنهم سوءاً، هكذا قال الحسن البصري.