وهذا كقوله - تبارك وتعالى -: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [سورة الكهف:6]، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [سورة فاطر:8] فهنا الوقف لازم على قوله: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ثم زاد في تطمينه - عليه الصلاة والسلام -: فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، فمكر هؤلاء، وقول هؤلاء في النبي ﷺ، وفي الوحي الذي أنزله الله عليه، وفي دينه، وشرعه؛ من الأقاويل الباطلة التي تورث نبي الله ﷺ الحزن، وكذلك ما يحصل له من الحزن إضافة إلى ذلك بسبب إعراضهم، وعدم إيمانهم؛ كل هذا نهاه الله عنه؛ لأنه لا جدوى فيه، فالله لم يُرد هداية هؤلاء وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [سورة يونس:99]، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [سورة الأنعام:35-36]، فالهداية بيده - تبارك وتعالى -، وأيضاً هذا الحزن لا يورث نفعاً، وإنما يعود بالضرر فحسب، وكما ذكرت في بعض المناسبات كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الحزن إذا تتابع على القلب أضعفه، وعطل قواه؛ فصار صاحبه لا ينتفع بأموره الدنيوية، ولا أموره الدينية، والأخروية؛ إذا كثر الحزن على القلب، وتتابع، ولذلك لا يحسن بالإنسان أن يجتر الأحزان سواء كان ذلك بسبب عدم هداية هؤلاء الناس فإن كان ذلك يغلبه، فينبغي أن يدفع أسبابه؛ وذلك بالنظر فيما ذكرت وبيّنه الله في كتابه من أن الهدى بيده، وأنه لو شاء لجمعهم على الهدى، ثم إن هذا الكيد الكبير وما يقولونه، وما يأتمرون به الله يقول: إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ فكل هذا التدبير، والمكر، وما يبيتون؛ كل ذلك قد أحصاه الله ، وعلمه، وسيجازيهم عليه، ليس عليك حساب هؤلاء، وليس عليك أيضاً هداهم، فلا حاجة لمثل هذه الأحزان التي تورث ضرراً من غير جدوى، هذا يقال لأتباع الرسول ﷺ في كل زمان لاسيما في هذه الأوقات التي أصبح كيد الأعداء من المنافقين وغيرهم يصل إلى الأفق بالوسائل التي تعرفون، فيتعمد بعض الخيرين ليتابع كل ما يصدر عن هؤلاء، فيقرأ لهم تلك السموم التي يكتبها الواحد منهم بنابٍ - نسأل الله العافية - يقطر سماً، فمثل هؤلاء إنما كتبوا هذا ليُقرَأ، فهؤلاء شياطين الإنس، وصار كثير من شياطين الجن من بعض تلامذتهم، فحينما يكتبون مثل هذه، ويقرأ الواحد، ثم بعد ذلك ينفطر فؤاده، وتتشقق كبده غيضاً، وكمداً، وحنقاً، وغيرة على دين الله أنا أقول: إن مثل هذا لا يجدي، بل هو طريق إلى الهم، والأمراض المستعصية، فلا حاجة إلى مثل هذا، يكفي أن يطلع الإنسان إطلاعاً مجملاً، ويعرف هؤلاء، وبعض هؤلاء يكفي أن تنظر إلى العنوان، وتنظر إلى وجهه، نسأل الله العافية.