قوله في قوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا: إن الملائكة بنات الله قال به عامة المفسرين، قالوا: قصدوا بذلك الملائكة بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ يعني قالوا: الملائكة بنات الله، والملائكة كيف وصفوا أو سموا بهذا الْجِنَّةِ؟ بعضهم قال: يجتنون يعني يستترون لا يُرون، فكل ما يجتن كالجنة؛ لأنها تغطي ما بداخلها، والجنين؛ لأنه مستور في البطن، والجن؛ لأنهم لا يُرون، فالملائكة؛ لأنها لا تُرى قيل لها ذلك، وبعضهم كمجاهد يقول: إن الْجِنَّةِ هم بطن من الملائكة، صنف من الملائكة، يقال له: الْجِنَّةِ، وبعضهم يقول: هم خزان على الجنان، وكل هذا لا دليل عليه، يعني هذا التخصيص أنه بطن من الملائكة، وخزان على الجنان، وبعضهم كقتادة يقول: إنهم زعموا أن الله - تبارك وتعالى - صاهر سروات الجن فكان الملائكة - تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً -، فقتادة والكلبي يقولان: إن الذين قالوا هذا اليهود، والمعروف أن الذين قالوا ذلك هم المشركون، وبعضهم يقول: الذين قالوه كنانة، وخزاعة من العرب، وهذا قال به جماعة كمجاهد، والسدي، ومقاتل، وبعضهم ذهب إلى معنى أبعد من هذا كله كقول الحسن: "إن المقصود بالنسب أنهم عبدوا مع الله - تبارك وتعالى- الشياطين، والجن، فجعلوهم شركاء لله فهذا هو النسب وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا جعلوهم آلهة وشركاء معه" وهذا بعيد - والله تعالى أعلم -، على كل حال المشهور وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا قالوا: الملائكة، هذا الذي عليه أكثر المفسرين، وبعضهم كما سمعتم يقول: الْجِنَّةُ يعني الجن، وأن الله صاهرهم - تعالى الله عن قول الكافرين علواً كبيراً -.
الضمير في قوله: إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يحتمل أنه يرجع على الذين قالو ذلك وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ والإحضار بعضهم يقول للحساب، وكما سبق أن من أهل العلم من يقول: إن الإحضار في كتاب الله - تبارك وتعالى - أو على الأقل في هذه السورة هو بمعنى العذاب، لَمُحْضَرُونَ يعني في العذاب، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يعني في العذاب، يعني هؤلاء الذين افتروا هذه الفرية وقالوها، وبعضهم يقول: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يعني للحساب، أن الجن علموا عن أنفسهم أنهم سيحضرون للحساب، فكيف يكون بينهم وبين الله - تبارك وتعالى - نسب؟!، وابن جرير اختار الأول إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الذين قالوا ذلك، وهو الذي قاله أكثر المفسرين، أن الضمير يرجع إلى المفترين؛ لأن هذا يدل عليه السياق هنا، ما حملنا الضمير على أقرب مذكور وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ فيكون هذا إجراء على قاعدة أخرى وهي توحيد مرجع الضمائر، وأنه أولى من تفريقها، توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها، والله المستعان.