الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
وَمَا يَنظُرُ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ قال مالك عن زيد بن أسلم: أي ليس لها مَثْنوية أي: ما ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها أي: فقد اقتربت، ودنت، وأزفت، وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله - تعالى - إسرافيل أن يُطوِّلها، فلا يبقى أحد من أهل السماوات، والأرض؛ إلا فزع إلا من استثنى الله ".

في قوله: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً هذه الصيحة هنا الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: إنها نفخة الفزع، وعرفنا من قبل أن ابن كثير يرى أن النفخ في الصور ثلاث مرات: نفخة الفزع وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ [سورة النمل:87]، والنفخة الثانية التي هي نفخة الصعق، والنفخة الثالثة التي هي نفخة البعث، وأن الذي عليه عامة أهل العلم أنهما نفختان: نفخة الصعق، ونفخة البعث.

فالحاصل أن الحافظ ابن كثير هنا يقول: وما ينظر هؤلاء - بناء على أن ذلك يرجع إلى كفار قريش - إلا نفخة؛ لأن أولئك الأحزاب هلكوا، وماتوا، وانتهوا - الأمم السابقة - فما تدركهم نفخة الفزع، أو النفخة الأولى على الأقل، عند ابن جرير مثلاً وعند الجمهور أنها نفخة الصعق يعني: سواء قلنا: إن النفخة الأولى هي الفزع، أو قلنا: إنها نفخة الصعق، الذين ماتوا، وهلكوا؛ هل تدركهم نفخة الصعق، أو نفخة الفزع يصعقون؟ الجواب: لا نفخة قبل يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ، فهذه تكون قبل القيامة يصعقون جميعاً، يموتون جميعاً، لما ذكر النبي ﷺ: أن الرجل يليط حوضه، قد حلب لقحته؛ فلا يشرب منها، هذا يكون بين يدي الساعة، فيصعقون، عند ابن كثير هي نفخة الفزع، وعند الجمهور ومنهم ابن جرير أنها نفخة الصعق، هذا بناءً على أن هؤلاء هم كفار قريش وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ يعني: من المشركين من أهل مكة الذين كذبوك إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ، فأولئك الأحزاب أولئك الأمم لا تدركهم هذه النفخة، ويكون ذلك للأحياء، يهددهم بها، وبعض أهل العلم - لا أعرف كيف - قال: إن ذلك يرجع إليهم، وإن هذه النفخة هي نفخة البعث، لما أهلكهم الله ما ينظرون بعد ذلك ينتظرون وهم في الأجداث، أو هم في عالم البرزخ؛ إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقومون للحساب، ويحصل لهم العذاب، وهذا بعيد، وكذلك قول من قال: إن المراد وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً صيحة العذاب الذي ينزل بهم؛ وليس المقصود بها الصعق، وإن العذاب الذي يفجأ الناس يقال له: صيحة، لكن هذا فيه بُعد - والله تعالى أعلم -؛ لأنه قال: إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فالمتبادر إلى الذهن أنها النفخة، النفخ في الصور، وإن كان قوم أهلكوا بالصيحة صاح بهم الملك - فالله تعالى أعلم -، لكن هذا هو المتبادر، ولو أن قائلاً قال بذلك لم يكن بعيداً - والله أعلم -.

"وقوله هنا: مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ هنا قال: عن مالك عن زيد بن أسلم: "أي ليس لها مثنوية"".

ليس بمعنى التكرار، أنها ثانية، لا مثنوية يعني لا تأخر، ولا تباطؤ، ولا رجوع أن ذلك يقع ولا بد، ولا رجوع فيه؛ ولهذا قال مجاهد ومقاتل: "الفواق بمعنى الرجوع"، بل بعض أهل العلم أرجع معنى الفواق إلى هذا، إلى الرجوع، قالوا: الآن لما يقال: فُواق ناقة، وفَواق ناقة، بالضم والفتح في الفاء فَواق وفُواق، فواق ناقة، ما بين الحلبتين يقال له ذلك، استُعملتْ هذه فَواق وفُواق قالوا: إنه ما بين الحلبتين حينما يحلب يرجع اللبن إلى الضرع، وإنما هو لبن جديد.

حلبة ثم حلبة، ما بينهما، ويرجع اللبن يتراد إليه فُواق ناقة، وما بين الحلبتين فَواق وفُواق، فجعلوه بمعنى الرجوع، رجوع الحليب ثانية إلى الضرع، ليس الذي خرج، وإنما جديد يرجع فتكون حلبة ثانية، فَواق ناقة، وفُواق ناقة فهو بمعنى الرجوع مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ أي: رجوع، وبعضهم فسره بالإفاقة مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ، والذين أرجعوا معنى هذه المادة في الأصل إلى الرجوع قالوا: هذا الذي يفيق من المرض، أو الإغماء، أو غير ذلك يرجع إلى وعيه، يرجع إلى عافيته، يرجع إلى صحته، أفاق من علته، أفاق من الإغماء، أفاق من نومه، أفاق من غفلته، بمعنى الرجوع، بمعنى رجع إلى حاله التي كان عليها، أو رجع من تلك الحالة التي كان فيها، وهذه مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ فيها قراءتان، قراءة الجمهور مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ بالفتح، وقراءة حمزة والكسائي بالضم مَّا لَهَا مِن فُوَاقٍ، وبعض أهل العلم يقول: القراءتان بمعنى واحد، وأنهما لغتان، وبعضهم فرق بينهما كالفراء وأبي عبيدة، وقالوا: إنها بالفتح بمعنى الراحة، مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ يعني: راحة، ما يحصل لهم فيها راحة، وكما يفيق المريض ونحو ذلك، وبالضم مَّا لَهَا مِن فُوَاقٍ أي: انتظار، وإمهال، وإنما تأتي مجهزة، وابن جرير يقول: ما لها من فتور، ولا انقطاع.

"فلا يبقى أحد من أهل السماوات، والأرض؛ إلا فزع إلا من استثنى الله ".