"وقوله - جل وعلا -: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ هذا إنكار من الله على المشركين في دعائهم على أنفسهم بتعجيل العذاب، فإن القِطّ هو الكتاب وقيل: هو الحظ والنصيب.
قال ابن عباس ومجاهد، والضحاك والحسن، وغير واحد: سألوا تعجيل العذاب، زاد قتادة: كما قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال:32].
وقيل: سألوا تعجيل نصيبهم من الجنة إن كانت موجودة؛ ليلقوا ذاك في الدنيا، وإنما خرج هذا منهم مخرج الاستبعاد، والتكذيب.
وقال ابن جرير: سألوا تعجيل ما يستحقونه من الخير أو الشر في الدنيا، وهذا الذي قاله جيد، وعليه يدور كلام الضحاك، وإسماعيل بن أبي خالد - والله أعلم -".
يعني ابن جرير - رحمه الله - جمع بين المعنيين، فهنا الله يقول: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ، فالقط هنا يقول: هو الكتاب، وقيل: هو الحظ، والنصيب، وعبارات المفسرين: سألوا تعجيل العذاب، سألوا تعجيل نصيبهم من الجنة إن كانت موجودة، وهذه المعاني ليست متخالفة، فإن أصل القط هو الكتاب الذي يكتب فيه نصيب الإنسان، أو العطاء الذي يعطيه الملِك، مثلاً يكتب ذلك في رق أو نحو هذا كما قال الأعشى:
ولا الملكُ النعمانُ حين لقيته | بغبطته يُعطِي القطوطَ ويأفقُ |
يعطيهم رقاعاً، كتابات، كل واحد فيها جوائز الملك التي يعطيها الوفود، ويأفق: بعضهم قال: يأفق يعني: يفاضل في العطاء بين هؤلاء المعطَيْن، فقالوا: عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا يعني: نصيبنا سواءً كان من العذاب، أو كان من النعيم، فهم يستعجلون بالعذاب كما قال الله : يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [سورة العنكبوت:54]، فاستعجلوا بنصيبهم لا أنهم يؤمنون به، وأرادوا فعلاً أن يتحقق لهم في الدنيا حتى لو كان عذاباً، وإنما قالوا ذلك على سبيل التكذيب، والسخرية، والاستبعاد، وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا فهذه الأقوال التي ذكرها هنا ليست متخالفة، فهي ترجع إلى هذا - والله تعالى أعلم -، وابن جرير كما ترون جمع بين المعنيين، نصيب في الخير، والشر؛ لأن بعضهم خصه بالخير، وبالعطاء، وما أشبه ذلك، لكن القرآن دل على أنهم استعجلوا أيضاً بالعذاب.