"وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ [سورة ص:17-20].
يذكر تعالى عن عبده، ورسوله داود أنه كان ذا أيدٍ، والأيدِ: القوة في العلم، والعمل قال ابن عباس - ا - والسدي، وابن زيد: "الأيدِ: القوة"، وقال مجاهد: "الأيدِ: القوة في الطاعة"، وقال قتادة: "أعطي داود - عليه الصلاة والسلام - قوة في العبادة، وفقْهًا في الإسلام، وقد ذكر لنا أنه كان يقوم ثلث الليل، ويصوم نصف الدهر".
وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: أحب الصلاة إلى الله - تعالى - صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى، وإنه كان أواباً[1] وهو الرجّاع إلى الله في جميع أموره، وشئونه".
فقوله - تبارك وتعالى -: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ أورد أقوال السلف هنا، وفي غيرها مما ورد عنهم من أن الأيدِ القوة، وفي مجموعها أن الأيدِ القوة في العبادة، وكذا أيضاً الفقه في الدين؛ ولهذا جمع بينهما الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بقوله: القوة في العلم، والعمل، وذلك ما وصف الله - تبارك وتعالى - به خيار الخلق من الأنبياء الذين اصطفاهم من قوله - تبارك وتعالى -: أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [سورة ص:45] فجمع لهم بين هذا وهذا، فالأبصار بمعنى البصائر يعني: العلم، والفهم الذي يكون به الميز بين الحق، والباطل، والأيد بمعنى القوة، وبعض المنحرفين لربما يحتج على أهل السنة بأنهم يؤولون، وينقلون أقوالاً عن السلف في هذه الآية أنهم فسروا الأيد بمعنى القوة، مع قوله - تبارك وتعالى -: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [سورة الذاريات:47] فيقول: لم يفسروا ذلك باليد التي هي الصفة المعروفة، والواقع أن هذه غير اليد هذه الأيد بمعنى القوة بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ أي: بقوة، وهذا ما وصف الله به داود - عليه الصلاة والسلام -، فهذا ليس من التأويل في شيء.
- رواه مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم (1159).