"وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ أَؤُنزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ [سورة ص:4-11].
يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعجبهم من بعثة الرسول ﷺ بشيراً ونذيراً كما قال تعالى: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ [سورة يونس:2]".
يقول تعالى - من البداية - مخبراً عن المشركين في تعجبهم من بعثة الرسول ﷺ، وهذا هو الأليق بالمقام أن يكون هكذا بشراً، والنسخ مختلفة، والذي يظهر - والله أعلم - أن الحافظ ابن كثير - رحمه الله - كان يصحح في الكتاب، ويعيد، ويغير، ويبدل، فهذا من جهة، وهناك أشياء هي من قبيل تصرف النساخ، ووقع فيها مثل هذه الفروقات، فهذا الكتاب منه ومنه، يعني يصعب الجزم في كثير من المواضع أن هذا من تصرف النساخ، ولهذا يعمد بعض الذين يحققون الكتاب إلى تلفيق النسخ، ثم بعد ذلك يضيفون كل ما وجدوا، ومن ذلك أشياء ابن كثير - رحمه الله - حذفها مثلاً؛ فيرجعونها مرة أخرى.
تعجبهم من بعثة الرسول ﷺ بشيراً ونذيراً، كيف بعث ﷺ بشيراً ونذيراً يعني مضمن أنه بشر، يعني لو بقيت هكذا ما وجدت عندنا نسخ أخرى فهذا كيف بعثه الله بشيراً ونذيراً، كيف بعثه رسولاً بدلاً من بشيراً ونذيراً، كيف بعثه أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً [سورة الإسراء:94] تعجبهم من بعثة رسول الله ﷺ ما تعجبوا من بعثه بشيراً ونذيراً، لكن تكون هذه صفة كاشفة، تعجبوا من بعثه ﷺ.
وطالما أنه وجد في النسخ المحققة النسْخ أنه بشر؛ فهذا هو الأليق بالمقام، تعجبوا من بعثه ﷺ بشراً أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً.
الآيات كثيرة في هذا في تعجبهم، واعتراضهم على أن يكون بشراً، وأنه لو شاء الله لأنزل ملائكة، وكذلك ما اقترحه الكفار كفرعون أن يأتي معه الملائكة مقترنين، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يذكر الله فيها اعتراض الكفار على بعث الرسول بشراً، وأنه لم ينزل ملائكة معه، ورد الله عليهم في مواضع يعني قال مثلاً: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون [سورة الأنعام:9]، قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً [سورة الإسراء:95]، ولو نزّل عليهم ملكاً لقالوا: لا نستطيع الأخذ عنه، وهذا الملك فيه من الخصائص، والصفات، وما جبل عليه من طاعة الله؛ مما لا يصلح معه الاقتداء.
عجاب: أي شيء عجيب، وبعض أهل العلم يقول: إن عجاب أبلغ من عجيب، وإن الأبلغ من ذلك عجَّاب، فعندنا عجيب، وعجاب، وعجَّاب، والمشهور أن عجيب وعجاب أنهما بمعنى واحد.