يعني هنا لمن المجتبين الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ، مضى معنا الكلام على أولي العزم من الرسل، وأن الجمهور يقولون: هم الخمسة، ويجمعون بين الآيتين في قوله: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [سورة الأحقاف:35]، مع قوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [سورة الأحزاب:7] هؤلاء الخمسة - عليهم الصلاة والسلام -، فالآيتان ليس بينهما ارتباط، هذه في مقام الإيحاء، وتلك أمر من الله - تبارك وتعالى - لنبيه ﷺ بالصبر العظيم مقتدياً بذلك بأولي العزم من الرسل، ولم يسمهم، فكثير من أهل العلم يقولون: هم الخمسة الذين ذُكروا في قوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وبعضهم يزيد على هؤلاء فيذكر أنبياء آخرين، لا يقتصر على الخمسة، وبعضهم يقول: كل الرسل - عليهم الصلاة والسلام - هم من أولي العزم، وبعضهم يقول: المقصود بأولي العزم من الرسل هم أصحاب العزائم العظيمة من غير تحديد، مَن عُرفوا، وتميزوا، واشتهروا بالعزائم الكبيرة، والصبر العظيم على الأذى في سبيل تبليغ دين الله - تبارك وتعالى -، فلاحِظْ هؤلاء الرسل الذين ذكرهم الله هنا بعدما ذكر داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام -، وأيوب ﷺ قال: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ، ولما ذكر يوسف ﷺ، وذكر خبره، وما وقع له مع امرأة العزيز قال: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [سورة يوسف:24] على هذه القراءة، فأخلَصَهُم: اجتباهم، واصطفاهم من بين سائر الناس، فهذا كله يمكن أن يقال معه - والله تعالى أعلم -: إن أولي العزم من الرسل لا يحصرون بخمسة، ولا شك أن هؤلاء الخمسة - عليهم الصلاة والسلام - هم من أجلِّهم، وأعظمهم، وأشرفهم، ولكن أولو العزم لا يحصرون بهؤلاء الخمسة؛ لأنه لا دليل على هذا الحصر، وأن الآيتين الأولى في الإيحاء، والثانية في الأمر بالصبر من غير تخصيص لأحد من الرسل باسمه - والله أعلم -.