الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
جَنَّٰتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلْأَبْوَٰبُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله : هَذَا ذِكْرٌ أي: هذا فصل فيه ذكر لمن يتذكر، قال السدي: يعني القرآن الكريم".

هَذَا ذِكْرٌ يعني: القرآن، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.

"وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ۝ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ ۝ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ۝ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ۝ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ۝ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [سورة ص:49-54].

يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في الدار الآخرة لَحُسْنَ مَآبٍ وهو: المرجع، والمنقلب، ثم فسره بقوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ أي: جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب، والألف واللام هاهنا بمعنى الإضافة كأنه يقول: "مفتحة لهم أبوابها" أي: إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها".

يعني لما ذكر الله هؤلاء الرسل الكرام - عليهم الصلاة والسلام - ذكر ما للمتقين من أهل الإيمان عموماً، فذكر لهم حسن المرجع والمنقلب عنده - تبارك وتعالى -، وذكر طرفاً من هذا النعيم جَنَّاتِ عَدْنٍ يعني: جنات إقامة لا يحصل منها زوال، ولا فراق، ولا موت، ولا انتقال، فإن الإنسان إنما يحصل له التكدير في هذه الحياة الدنيا ولو سكن عالي القصور حينما يتذكر أنه يفارقها.

لا أرى الموتَ يَسبقُ الموتَ شيءٌ نغّص الموتُ ذا الغنى والفقيرا

فإذا تذكر الإنسان أنه سيفارق هذا كله فإنه يتكدر عليه النعيم، أن المسألة مؤقتة، هي مسألة وقت، ثم بعد ذلك سيُلف بخرقة، ويوضع في لحد يدفنه فيه أقرب الناس، وأحب الناس إليه، أما هذه الجنات جَنَّاتِ عَدْنٍ فيعني: جنات إقامة لا يحولون، ولا يزولون، ولا ينتقل نعيمها، ولا يتحول مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ يقول: أي إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها، هذا معنى ذكره الحافظ ابن كثير وهو ظاهر، وكذلك أيضاً أبواب الجنة تفتح لسكانها من غير إعمال جارحة، ولا يد، ولا بذل جهد، تتفتح لهم الأبواب من غير أن يُعملوا في ذلك جوارحهم كما يقول الحافظ ابن جرير - رحمه الله -: يعني من كمال النعيم أن الأبواب تفتح، كما أن قطوفها دانية تميل إليهم ثمارها اليانعة، ويجتنونها من غير تعب، ولا حاجة إلى صعود، ولا تسلق، وإنما كل شيء مذلل حتى الأبواب تفتح بمجرد مجيئهم إليها مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ، أما النار - أعاذنا الله وإياكم منها - فإنها تكون عليهم مؤصدة فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ [سورة الهمزة:9] فتغلق عليهم أبواب النار.

في مثل هذا يا إخوان لو نتدبر القرآن فيه أعظم التربية في طلب ما عند الله، والزهد في الدنيا، وأن يكون العمل خالصاً لله في مزاولاتنا المختلفة في اليوم والليلة، وما نشتغل به، كل المجالات في جهادنا، وفي بذلنا، وسعينا، وما إلى ذلك، هذا النصر الذي تأخر في سوريا؛ لأننا بحاجة إلى مزيد من التمحيص، النفوس لم تتمحص بعد، تحتاج إلى مزيد من التمحيص، حتى حينما ننهض، ونتبنى مثل هذا العمل، ونقوم في الذب عن هؤلاء، وفي نصرتهم، وفي كذا، نحن بحاجة دائماً إلى أن نتمحص، وأن نتخلى عن حظوظ النفس، وإلا فإن النصر يُبطئ، يتأخر، بل حتى لو حصل فإنه يكون منغصاً، ناقصاً، مكدراً، مثل الذي حصل في أماكن أخرى كما تعلمون، يحصل نصر ناقص، فيتفرق الناس، ويشتغل بعضهم ببعض، وأخشى أن تكون البوادر والبدايات اليوم قائمة في سوريا - نسأل الله أن يدفع عن المسلمين الشر -، لكن حينما ينهض الأخيار في نصرة هؤلاء ينبغي أن يتفطنوا لهذا المعنى، يبتعد عن حظ النفس، فيمد يده مع كل إخوانه، ويقول: ما مني شيء، ولا لي شيء، نحن نريد ما عند الله ، لا يكون له ويقول: لا، وأنا تبعي كتيبة، وأنا تبعي كتائب، وأنا تبعي كذا، وأنا عندي كذا، وما عندي شيء، ولا لي شيء، وما مني شيء، أنا المكدى وابن المكدى، فإذا كان الأخيار وأهل الصلاح، أو أهل الجهاد، أو أهل الدعوة إلى الله؛ لا زالت النفوس تحتاج إلى عمل، وتهذيب من أجل أن لا تكون هناك حظوظ نفسية، أن يكون لي كيان، أن يكون لي أتباع، أن يكون لي، فيأتي الآخرون من أجل أن يتلطفوا، وأن يبذلوا كثيراً من الجهد حتى يعني يكون هناك شيء من التفاهم، والتواصل، هذا يعني أن النفوس لم تتجرد، فإذا كان قيام الإنسان ليس خالصاً لله فمعنى ذلك أن النصر يتأخر، فأول ما يحتاج الناس إليه أن القادة، والأخيار، وأهل الصلاح، وأهل النجدة، أنهم يكونون قد تمحصت نفوسهم، وتجردت، تريد ما عند الله، فانظر إلى هذه الآيات لمّا ذكر هؤلاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وذكر ما للمتقين جنات العدن هذه المفتحة لهم الأبواب، فإذا التفت الإنسان إلى هذا أعرض عن كل ما سواه.