يعني بمعنى كما يقول ابن القيم - رحمه الله -: أن التربع نوع من الاتكاء، فذكر التربع، والاتكاء أوسع من التربع، يعني: إذا جعلنا التربع أحد أنواع الاتكاء فالله أخبر أنهم مُتَّكِئِينَ، وإنما يتكئ الإنسان إذا كان مستريحاً في مجلسه، وهذا من التنعم، والتمكن في المجالس؛ لأنه إذا كان الإنسان غير متمكن في المجلس، أو مترقب، أو في حال من الوجل لا يتكئ، ولا يسترخي في الجلسة، وإنما يكون مشدوداً كأنه مُستوفِز، ولذلك قد يخاطب مثل هذا، ويقال له: استرخ في جلستك، اجلس على سجيتك؛ لأنه مشدود.
يقول: متربعين فيها على سرر تحت الحجال، قلنا: هذا السرير الذي فوقه مظلة وعليه ستور، هذه يقال لها: حجلة، لا يكون ذلك إلا لسرير فوقه مثل: السقيفة، أو المظلة أو كذا، الآن يعمل وقديماً يُعمَل هذا للعروس ونحو ذلك، هذه الأسرّة، ونحن لا نتصور أن المسألة أربعة أمتار في أربعة أمتار، هذه جنة عرضها السماوات والأرض، فكم مقدار مثل هذا؟ هذا شيء لا يمكن أن يتخيله عقل الإنسان.
"قال: يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ أي: مهما طلبوا، وجدوا، وحضر كما أرادوا، وَشَرَابٍ أي: من أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدام بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [سورة الواقعة:18].
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أي: عن غير أزواجهن، فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن".
يعني هنا مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ قد يأتي من يقول: هذا يدل على أن الشراب يكون بعد الفاكهة كما يقول بعضهم: إن قوله - تبارك وتعالى -: وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ [سورة الواقعة:20-21] يدل على أن الفاكهة تكون أولاً ثم اللحم ثانياً، هذا فيه نظر؛ لأن هذا إنما هو في ذكر النعيم، والواو تدل على مطلق الجمع، ولا تدل على الترتيب، فلا يقول الإنسان: إن مثل هذه الأشياء قصد هذا الترتيب ليكون ذلك في الخارج متناولاً على هذه الطريقة التي ذكرها القرآن مثلاً، أنّ هذا بعد هذا، إنما الواو لمطلق الجمع، فالإنسان يأكل فاكهة ولحماً أولاً هذا، أو هذا ثانياً، لا إشكال في هذا، إنما يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة من أهل الطب، والعارفين في هذه الجوانب في أمور الغذاء وما إلى ذلك، لكن القرآن لم يكن القصد في هذه المقامات بيان ما يتناول أولاً، وما يكون ثانياً، ليس هذا هو المراد.
هنا أَتْرَابٌ يعني هذا المشهور أن المقصود به التساوي في السن والعمر، يعني هن متساويات في سن واحدة، لا يحصل لهن هرم، لا يتغير حسنها، وجمالها، تكون كبيرة في السن مع الأيام، والليالي؛ لا، وإنما هي باقية على سن معين في حسن يتجدد، وبعضهم يقول: أَتْرَابٌ يعني: متساويات في الحسن، يعني كلهن قد بلغن الغاية في الجمال، أَتْرَابٌ، وبعضهم يقول: إن المراد أتراب متآخيات لا يتغايرن، ولا يتحاسدن كما هو الحال في الدنيا، فإن ذلك مما ينغص ويكدر على الأزواج، يتزوج الرجل المرأتين، والثلاث، والأربع، وقد يكنّ أو يكون بعضهنّ في غاية الجمال، ولكن هذا الجمال منغص بأمور كثيرة تعرفونها، ومنها هذه المغايرة، والحسد، والتكدير، والتنكيد، فهو تزوج من أجل أن يلتذ، ويسعد، ويُسر، فإذا دخل بيته وجد أسباب التنغيص، والأذى، ويسمع ما يسوءه من الكلام بسبب الغيرة، فهؤلاء لا يتغايرن، لكن المشهور هو الأول أَتْرَابٌ في سن واحدة، ولا شك أن هذه الغيرة غير موجودة؛ لأن الله - تبارك وتعالى - أخبر عن نعيم الجنة، وما فيها وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ [سورة الحجر:47] فالجنة لا يوجد فيها غل، ولا حسد، ولا ما يؤذي النفوس، وقضية الحسن أنهن في غاية الحسن إلى آخره هذا أيضاً جاءت النصوص موضحة له في الجمال، أن المرأة من أهل الجنة لو اطلعت على الدنيا لأضاءتها، وأنه يُرى مخ ساقها من شدة صفاء الجلد، وشدة البياض، فهذا كله ثابت وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ فالحاصل أنه ذكر لهم الملاذ الثلاث: الأكل، والشرب، والنساء النكاح، والعرب يقولون: الأطيبان، وغالبهم يقصد بذلك الطعام، والشراب، والنكاح، الأطيبان، فذكر لهم هذه الأشياء الثلاثة، وغالب سعي الناس في الدنيا في طلبهم لها - طلب المال - هو من أجل هذه الأمور الثلاثة، فهو يعمل لماذا؟ هؤلاء الناس الذين يعملون، ويتاجرون، ويكتسبون، ويحصلون الأموال، ويجمعونها؛ لو سألتهم عن مطالبهم هل يجمعونها ليتصدقوا بها في سبيل الله؟ لا، تختصر هذه الجهود العظيمة، والأوقات العظيمة في هذا البطن، والفرج، يبغى يأكل، ويشرب، ويتزوج باختصار، هذه الغاية والهدف من جمع الدنيا، أما الذي يجمع ويقول: من أجل أن أتصدق، يقال له: الله لم يطالبك بجمع الدنيا حتى تتصدق بها، لكن من حصلت له فعليه أن يبذل، وأن يتصدق، ويحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه، لكن أن يجمع ليتصدق، يقال: لم تؤمر بهذا أصلاً.