الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّٰغِينَ لَشَرَّ مَـَٔابٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ۝ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ۝ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ۝ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ۝ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ۝ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ۝ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ۝ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ ۝ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ۝ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [سورة ص:55-64].

لما ذكر - تبارك وتعالى - مآل السعداء ثَنّى بذكر حال الأشقياء، ومرجعهم، ومآبهم في دار معادهم، وحسابهم فقال : هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ وهم: الخارجون عن طاعة الله ، المخالفون لرسل الله ﷺ لَشَرَّ مَآبٍ".

كما هي عادة القرآن يجمع بين الترغيب، والترهيب، فإذا ذكر حال السعداء ذكر حال الأشقياء ليجمع العبد بين الخوف، والرجاء قال: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ، بعضهم يقول: إنه خبر لمبتدأ محذوف، يعني الأمر هذا: وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ، ويحتمل أن يكون مبتدأً وخبره محذوف يعني هذا كما ذُكر هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ أو هذا ذكر، يكون هذا مبتدأ وذكر خبراً، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ، وابن جرير - رحمه الله - يقول: هذا الذي وصفت لك للمتقين، هذا الذي وصفت لك أو الذي وصفت لكم للمتقين هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ يعني ما سبق للمتقين، هذا للمتقين التي هي جنات عدن مفتحة لهم الأبواب، هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ وهم الخارجون عن طاعة الله ، والمخالفون، كل من تجاوز الحد الذي رسمه له الشارع فيكون قد طغى، ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي من تجاوز ما حده الله - تبارك وتعالى - له فإنه يكون قد طغى، وهذا التجاوز يكون بالزيادة عليه، يعني بالغلو فيه، أو بالنقص والتقصير، وذلك بالجفاء، فهذا كله يكون من الطغيان، وإنما يكون الاعتدال بلزوم ما حده الله - تبارك وتعالى - بلزوم الصراط المستقيم.

"لَشَرَّ مَآبٍ أي: لسوء منقلب، ومرجع، ثم فسره بقوله - جل وعلا -: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا أي: يدخلونها، فتغمرهم من جميع جوانبهم".

كلمة "صَلَي" صلْيُ النار يعني الدخول لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [سورة الليل:15]، وتعني أيضاً الاحتراق ومقاساة حر النار - أعاذنا الله، وإياكم، ووالدينا، وإخواننا المسلمين منها -، وتقول: شاة مصلية يعني مشوية، يَصْلَوْنَهَا يدخلونها، ويقاسون حرها، إذا جمعت بين المعنيين.

"قال: فَبِئْسَ الْمِهَادُ".

فَبِئْسَ الْمِهَادُ هنا لم يتكلم عن المهاد، في الأصل ذُكر شيء؟ فَبِئْسَ الْمِهَادُ يحتمل أن يكون المعنى فَبِئْسَ الْمِهَادُ يعني: بئس ما مهدوا به لأنفسهم من الكفر بالله ، وتعدي حدود الله، والعمل بمساخطه، ومحاربة أوليائه، ورسله، فيكون الواحد منهم قد مهد لنفسه حتى حصل هذا العذاب؛ ولهذا سماه الله اشتراءً قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [سورة البقرة:16]، اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى يعني: آثروا الضلالة على الهدى فاشتروها، وقد مضى الكلام على هذا المعنى، والمهاد أيضاً يحتمل أن يكون المقصود الموضع فَبِئْسَ الْمِهَادُ وذلك أن النار تكون كالمهاد الذي يكون للصبي، والمهاد يشتمل على هذا الصبي من جميع جوانبه يمهد، يلف فيه، فالنار تحرقهم من جميع الجوانب، وتشتمل عليهم اشتمال المهاد على الصبي كما قال الله : لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [سورة الأعراف:41] فالنار تحرقهم من كل ناحية، ولهذا فسره ابن جرير فَبِئْسَ الْمِهَادُ قال: بئس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم وهو جهنم، والمعنيان بينهما ملازمة، فإن هذا الفراش الذي افترشوه من النار كان بسبب ما قدموه ومهدوه لأنفسهم؛ فبينهما ملازمة.