الأربعاء 25 / صفر / 1447 - 20 / أغسطس 2025
وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُوا۟ وَٱصْبِرُوا۟ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ۝ وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ وهم سادتهم، وقادتهم، ورؤساؤهم، وكبراؤهم".

المراد بالملأ علية القوم، الكبراء، وقيل لهم ذلك؛ لأنهم يتمالئون على الأمر، أو لأنهم يملئون صدور المجالس، أو غير ذلك مما قيل، الملأ.

"قائلين: امْشُوا أي: استمروا على دينكم".

قوله: امْشُوا استمروا على دينكم، وهو معنى قول من قال كابن جرير - رحمه الله -: امْشُوا أي بمعنى امضوا على دينكم، اصبروا على دينكم، امضوا فاصبروا على دينكم.

وبعضهم يقول: أَنِ امْشُوا يعني المشي المقصود به للنبي ﷺ لما اجتمعوا إليه يطالبونه عند عمه أبي طالب مثلاً بأن يدع دينه، أو يدع سب آلهتهم، ولا يتعرض لدينهم، أو حينما انطلقوا منه لما دعاهم إلى التوحيد في ذلك المجلس؛ قاموا، وانطلقوا، ونفروا مما قال، قالوا: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ، فبعضهم فهم منه أن المقصود المشي المعروف، والمضي، ولكن الحافظ ابن كثير قال: أي استمروا على دينكم كما تقول لإنسان: امشِ على هذا المَهْيَع، والمهيع الطريق يعني أنت تقول له: استمر على هذا العمل، يعني لا تقصد حقيقة المشي، تقول: امشِ على هذا الأساس، نحن نمشي على هذا، بمعنى أَنِ امْشُوا استمروا.

"وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد.

وقوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ".

وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ كقوله - تبارك وتعالى - عن قيل هؤلاء الكفار: أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ۝ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا [سورة الفرقان:41-42] فهم يتواصون بالصبر، ويذكرون أنفسهم به، الصبر على هذا الباطل.

"قال ابن جرير: إن هذا الذي يدعونا إليه محمد ﷺ من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم، والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباع، ولسنا مجيبيه إليه".

وهذا هو المشهور - الذي ذكره ابن جرير - وإن اختلفت فيه عبارات المفسرين، ولكن هذا هو المشهور إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ يعني: يريد به الترفع، والشرف، والرئاسة عليكم، وإن قال بعض المفسرين غير ذلك إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ، لكنها أقوال بعيدة بالنسبة لهذا القول، ولا حاجة إليها.

"روى أبو جعفر بن جرير عن ابن عباس - ا - قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل، ويفعل، ويقول، ويقول؛ فلو بعثت إليه فنهيته؟ فبعث إليه، فجاء النبي ﷺ، فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال: فخشي أبو جهل - لعنه الله - إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه، فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجد رسول الله ﷺ مجلساً قرب عمه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك، ويزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول؟ قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله ﷺ فقال: يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ففزعوا لكلمته، ولقوله، فقال القوم كلمة واحدة: نعم وأبيك عشراً فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال ﷺ: لا إله إلا الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ قال: ونزلت من هذا الموضع إلى قوله: لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ لفظ أبي كريب[1]، وهكذا رواه الإمام أحمد والنسائي نحوه، وقال الترمذي: حسن".

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والحديث فيه ضعف لكنه غير شديد، لكنه جاء بصيغة مختصرة فيها أن ذلك لما اجتمعوا عند أبي طالب، وذكروا له ذلك، وأجابهم - عليه الصلاة والسلام -، لكن باختصار ليس بهذا السياق، فمثل هذا يكون سبباً للنزول، لكن بهذا السياق الرواية ضعيفة.

فهذه الرواية بهذا السياق ضعيفة، لكنه جاء برواية يمكن أن تكون حسنة الإسناد بسياق أقصر من هذا، مختصرة، يعني هذه فيها رجل فيه جهالة، ولم يتابع، قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، يعني: حيث يتابع، ولا متابع له.

  1. رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (21/150)، وأحمد في المسند، برقم (3419)، وقال محققوه: " إسناده ضعيف،   عباد بن جعفر - وهو يحيى بن عمارة، جزم بذلك البخاري ويعقوب بن شيبة وابن حبان، ويقال: يحيى بن عباد - لم يروِ عنه غير الأعمش، ولم يوثقه غير ابن حبان، فهو في عداد المجاهيل، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين"، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (11437).