الثلاثاء 24 / صفر / 1447 - 19 / أغسطس 2025
مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلْءَاخِرَةِ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا ٱخْتِلَٰقٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقولهم: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ أي: ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة.

وقال العوفي عن ابن عباس - ا -: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ يعني: النصرانية، قالوا: لو كان هذا القرآن حقاً أخبرتنا به النصارى".

النصرانية هذا قول عامة المفسرين، قول الجمهور، وبعضهم يقول غير ذلك فيما يتصل بالملة الآخرة، لكن هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو المتبادر - والله تعالى أعلم -.

"إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ قال مجاهد وقتادة: "كذب"".

هنا في قوله: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ قال: لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرتنا النصارى، هذا يَحتمل أن يكون المراد مَا سَمِعْنَا بِهَذَا يعني: القرآن، ويَحتمل معنى آخر وجيهاً وقوياً وهو أنه مَا سَمِعْنَا بِهَذَا يعني: التوحيد في الملة الآخرة ما سمعنا به في الملة الآخرة، لأنهم قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ فهم تعجبوا من هذا، ثم بعد ذلك قالوا: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ يعني كيف يجعل الآلهة إلهاً واحداً؟!، ولا يقولن قائل: إن الملة الآخرة النصارى، وإنهم على التوحيد؛ لأن دينهم استقر على التثليث كما هو معلوم، فالذي أدركه هؤلاء الذين بعث فيهم النبي ﷺ من دين النصارى إنما هو الشرك، والتثليث، وكأن قول من فسره بالقرآن مَا سَمِعْنَا بِهَذَا يعني: القرآن أنه حق، وأنه من عند الله وحي في الملة الآخرة، باعتبار أن الذي جاء به عيسى ﷺ هو التوحيد، فقالوا: القرآن، المقصود القرآن، وحتى هذا لو أردنا أن نقول: جاءت البشارة بالنبي ﷺ في نفس الإنجيل، وأن الله ينزل عليه كتاباً لا يغسله الماء، يقرؤه نائماً، ويقظانَ.

فلو قال قائل: إن المراد بقوله: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ يعني: التوحيد لكان أقرب - والله تعالى أعلم -.

" إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ قال مجاهد وقتادة: "كذب"، وقال ابن عباس: "تخرص".

قوله: إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ هل المقصود بالاختلاق مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ يعني القرآن، أو المقصود به ما قاله وما جاء به من التوحيد؟ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ، أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي كيف أنزل عليه الذكر؟ كأن القائل بأن إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ يعني: القرآن؛ لأنه قال بعده: أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي الذكر هو القرآن، وإذا كان كذلك فيمكن أن تكون هذه قرينة للقائل بأن ما قبله أيضاً في القرآن، وهذا يقول به ابن جرير - رحمه الله -: إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ يعني: القرآن أنه مختلق، ومفترى، كما قال الله في مواضع من كتابه عن قولهم وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [سورة الفرقان:5] - والله أعلم -.