وفي قوله: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ بالنظر إلى ما قبله وما بعده، هم تعجبوا وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ، الآن تعجبوا أن يكون الرسول من البشر، وقالوا: ساحر كذاب أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ هذا مضمون ما جاء به وهو التوحيد، أيضاً أنكروه وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، فالمذكور قبله أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا هذا الذي استنكفوه، وقبله وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ، لكن هذا لا يقال - والله أعلم -: إنه المراد بقوله: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ لأن الملة الآخرة النصرانية، والذي جاءهم عيسى ﷺ وهو من البشر، والمشركون ما كانوا يعتقدون أنه إله، أو أنه ابن الله مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ يعني: ما هذا، "إن" هذه نافية، ما هذا إلا اختلاق، أؤُنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا لاحظ في البداية وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا، ثم قال: أؤُنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ يعني كما قال الله - تعالى -: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [سورة الزخرف:32] يعني: النبوة، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لما قالوا: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [سورة الزخرف:31] مكة، والطائف أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ فالشاهد أن قوله: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ أؤُنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي، إذاً قوله: أؤُنزل عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا إنكار للرسول كيف يكون من البشر، وإنكار للرسالة، والوحي الذي هو القرآن، إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ فيشمل ذلك، فيكون إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ دعوى الرسالة، وما في مضامينها من الوحدانية، وما أوحي إليه من القرآن إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ كما قال الله : وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا [سورة الفرقان:5]، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ إفك، وهذا اختلاق.