"ثم قال تعالى مبيناً أنه المتصرف في ملكه، الفعال لما يشاء، الذي يعطي من يشاء ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده، ويختم على قلب من يشاء، فلا يهديه أحد من بعد الله، وإن العباد لا يملكون شيئاً من الأمر، وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة، وما يملكون من قطمير؛ ولهذا قال تعالى منكراً عليهم: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أي: العزيز الذي لا يرام جنابه، الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد.
وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً [سورة النساء:53-55]، وقوله تعالى: قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا [سورة الإسراء:100]، وذلك بعد الحكاية عن الكفار أنهم أنكروا بعثة الرسول البشري ﷺ، وكما أخبر عن قوم صالح حين قالوا: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ [سورة القمر:25-26]".