الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
وَلَا تُجَٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قوله: وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [سورة النساء:107] يعني لا تدافع عنهم.

مرات الإستماع: 0

"لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105] يحتمل أن يريد بالوحي، أو بالاجتهاد، أو بهما، وإذا تضمنت الاجتهاد، ففيهما دليل على إثبات النظر، والقياس، خلافًا لمن منع ذلك من الظاهرية، وغيرهم".

الآية تحتمل هذا لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهِ [النساء:105] يعني بما أوحى إليك، ويحتمل الاجتهاد، ويحتمل بهذا، وهذا، فالنبي ﷺ قد يجتهد كما هو معلوم، لكنّ الوحي يأتي مُقررًا له على اجتهاده، أو مصوبًا لهذا الاجتهاد، فاجتهادات النبي ﷺ مسددة، وليست كاجتهادات غيره؛ ولهذا لا يمكن أن يُقال بأن هذه الأمور التي وقعت من النبي ﷺ على سبيل الاجتهاد بأنه قد تكون في حقيقة الأمر، وفي علم الله أنها خطأ؛ لأنه لو كان من خطأٍ فيأتي الوحي مباشرة بتصويبه، فما لم يصوبه الوحي فإن ذلك يدل على إقراره، وصحته، وأنه حق.

يقول: "وإذا تضمنت الاجتهاد ففيها دليل على إثبات النظر، والقياس خلافًا لمن منع ذلك" باعتبار أن القياس رأي، واجتهاد بإلحاق فرعٍ بأصلٍ في حكمٍ لعلةٍ جامعةٍ بينهما، فهذا يكون بإعمال النظر، والفكر، والاعتبار.

"وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] نزلت هذه الآية، وما بعدها في قصة طُعمة بن الأُبيرق، إذ سرق طعامًا، وسلاحًا لبعض الأنصار، وجاء قومه إلى النبي ﷺ وقالوا: إنه بريءٌ، ونسبوا السرقة إلى غيره، وظن رسول الله ﷺ أنهم صادقون، فجادل عنهم ليدفع ما نُسب إليهم، حتى نزل القرآن فافتُضحوا[1] فالخائنون في الآية: هم السُرَّاق بنو الأُبيرق، وقال السُهيلي: هم بشرٌ، وبشير، ومُبشِّرٌ، وأُسيد[2] [وفي النسخة الخطية: وأُسير] ومعناها: لا تكن لأجل الخائنين مخاصمًا لغيرهم".

وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] يعني مخاصمًا، يعني تدافع عنهم، وتنتصر لهم، وتخاصم عنهم، قوله: "نزلت هذه الآية، وما بعدها في قصة طعمة بن الأُبيرق إذ سرق طعامًا، وسلاحًا لبعض الأنصار" هذا على سبيل الإيجاز، والاختصار، وجاء هذا في سياقاتٍ طويلة، لكن هذا مختصرًا، يقول: "وجاء قومه إلى النبي ﷺ وقالوا: إنه بريءٌ، ونسبوا السرقة إلى غيره، وظن رسول الله ﷺ أنهم صادقون... إلى آخره، حتى نزل القرآن".

ويقول: "الخائنون هم السُرَّاق بنو الأُبيرق، وقال السُهيلي - السُهيلي له كتاب في المبهمات، وسبق الكلام على هذا -: "هم بشر، وبشير، ومُبشِّر، وأُسيد" أُسيد بن عروة لم يكن من هؤلاء الذين سرقوا، لكن هو من بني الأُبيرق، فأتوه، فطلبوا منه أن يكلم رسول الله ﷺ فجاء إليه مع نفر منهم، فخاطبوه، وكلموه، بأن هؤلاء أهل إسلام - يعني بني الأُبيرق - وأنهم اتُهموا بالسرقة، ونحو ذلك، يبرئونهم مما نُسب إليهم، وهذا الحديث في كونه سبب النزول هذا أخرجه الترمذي لكن قال: غريب[3] أي: أشار إلى ضعفه.

وهنا في الحاشية عندكم يقول: والطبري، والحاكم في المستدرك، يقول: "كان بُشير رجلًا منافقًا يقول الشعر يهجو به أصحاب النبي ﷺ " وذكر أنه ينسبه لبعض العرب، يعني مرة ينسب الشعر لحسان بن ثابت ومرةً إلى غيره "ثم يُنحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان: كذا، وكذا، فإذا سمع أصحاب النبي ﷺ " يعني هو يضيف فيقول: قال حسَّان مثلًا "قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، فلمّا نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سُلافة بنت سعد بن سمية، فأنزل الله وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [النساء:115] الآية" يقول: "وهذا الحديث حسَّنه الألباني في صحيح الترمذي[4].

وضعَّفه بعضهم ببعض رواته، وهو عمر بن قتادة؛ فهو مجهول، والحافظ ابن حجر قال عنه: مقبول[5] فالحديث لا يخلو من ضعف في إسناده، ولكن قد يتقوى بمجموع طرقه، ورواياته -والله أعلم -.

س: شيخنا الصواب أُسيد أم أُسير؟

أُسيد بالدال، هو أُسيد بن عروة.

"وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ [النساء:106] أي: من خصامك عن الخائنين، على أنه ﷺ إنما تكلم على الظاهر، وهو يعتقد براءتهم".

النبي ﷺ وغيره أيضًا لا يكون للخائنين خصيمًا، يعني قد يأتي من يخاصم عن قومٍ اختانوا أنفسهم، باعتبار أنهم من قرابته، أو من قبيلته، أو من معارفه، وأصحابه، وجيرانه، أو من طائفته، أو نحو ذلك، ويخاصم عنهم، فالله ينهى عن هذا وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ۝  يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء:107 - 108] وقد يأتي أصحاب هذا، أو قوم هذا إلى بعض ذوي الوجاهة، أو إلى بعض من ينتسب للعلم، أو نحو هذا، ويطلبون منه الشفاعة لمثل هذا الذي يختان نفسه في قضايا، وأعمال قبيحة لا يحسن الدخول فيها، والشفاعة فيها، فينبغي ألا يزل الإنسان، ويدخل في مثل هذه المضائق.

  1. أخرج القصة الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن باب ومن سورة النساء (5/244-3036) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب" والطبراني في المعجم الكبير (19/9-15) وحسنه الألباني.
  2.  البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (1/557).
  3.  أخرج القصة الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن باب ومن سورة النساء (5/244-3036) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب" والطبراني في المعجم الكبير (19/9-15) وحسنه الألباني.
  4.  صحيح سنن الترمذي (7/36-3036).
  5.  التقريب (2/62).