الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ الآية [سورة النساء:108] هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس؛ لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بها؛ لأنه مطلع على سرائرهم عالم بما في ضمائرهم، ولهذا قال: وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [سورة النساء:108] تهديد لهم، ووعيد".
قوله تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [سورة النساء:108] التبييت أصله ما يقع في الليل، وهذا غالب ما يكون من الدسائس، والمؤامرات، كما قال الله - تبارك وتعالى - في صفة المنافقين التي مضى الكلام عليها: بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [سورة النساء:81] حيث إنهم إذا كانوا عند النبي ﷺ فإنهم يقولون له: طاعة، أي أمرنا طاعة، أو شأننا طاعة، فإذا خرجوا كانوا بهذه المثابة أي بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [سورة النساء:81] ولذلك تقول: هذا أمر بُيِّت بليل، أي: دُبِّر، فالتبييت هنا بمعنى التدبير، وعبر عنه بذلك؛ لأنه غالباً ما يكون بالليل؛ فيفاجأ الناس به في الصباح.

مرات الإستماع: 0

 "إِذْ يُبَيِّتُونَ [النساء:108] أي: يدبِّرون ليلًا، وإنما سمي التدبير قولًا؛ لأنه كلام النفس، وربما كان معه كلامٌ باللسان".

يقول: "لأنه سمى التدبير قولًا؛ لأنه كلام النفس، وربما كان معه كلام باللسان" يُبَيِّتُونَ [النساء:108] التبييت ما يكون ليلًا، يدبِّرون ما لا يرضى من القول، قد يُبيتونه في أنفسهم، وقد يكون ذلك باعتبار ما يدور بينهم من الكلام، والنجوى التي يتواصون بها، ويتفقون عليها، من رمي البريء بالتهمة، أو الطلب من النبي ﷺ أن يحكم بغير الحق، مما صوروا له، وزوروه، ونحو ذلك.

يقول: "لأنه كلام النفس" الكلام هو مجموع اللفظ، والمعنى، مثل الإنسان مجموع الروح، والجسد، فالروح من غير جسد لا يُقال لها: إنسان، والجسد من غير روح يُقال له: جثة، فالكلام مجموع اللفظ، والمعنى، لكن إذا قيل بقيدٍ فيُقال: حديث النفس، ونحو ذلك، وإلا فإذا أُطلق القول، والكلام، والحديث فهو مجموع اللفظ، والمعنى، خلافًا للأشاعرة الذين يقولون: بأن الكلام، والقول، والحديث يكون باللسان، ويكون أيضًا فقط بالقلب، وهذا غير صحيح، لكنّ كلامه هنا يقول: "كلام النفس" وهو لا يتحدث هنا عن صفات الله، لكن نحن نبين أصل القضية، هل يُقال هذا في اللغة، أو لا؟