"وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12] الآية خطابٌ للرجال، وأجمع العلماء على ما تضمنته هذه الآية من ميراث الزوج، والزوجة، وأن ميراث الزوجة تنفرد به إن كانت واحدة، ويقسم بينهن إن كن أكثر من واحدة، ولا ينقص من ميراث الزوج، والزوجة [في النسخة الخطية: من ميراث الزوج]، وسائر السهام، إلّا ما نقصه العول على مذهب جمهور العلماء، خلافًا لابن عباس فإنه لا يقول: بالعول.
فإن قيل: لم كرر قوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [النساء:12] مع ميراث الزوج، وميراث الزوجة، ولم يذكره قبل ذلك إلّا مرة واحدة في ميراث الأولاد، والأبوين؟
فالجواب: أن الموروث في ميراث الزوج هو الزوجة، والموروث في ميراث الزوجة هو الزوج، وكل واحدةٍ قضيةٌ على انفرادها؛ فلذلك ذكر ذلك مع كل واحدة بخلاف الأولى، فإن الموروث فيها، واحدٌ، ذكر حكم ما يرث منه أولاده، وأبواه، وهي قضيةٌ واحدة؛ فلذلك قال فيها: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [النساء:12] مرةً، واحدة".
قوله هنا: "ولا ينقص من ميراث الزوج، والزوجة، وسائر السهام، إلّا ما نقصه العول" العول معروف، وهو زيادة السهام على أصل الفريضة، يقول: "على مذهب جمهور العلماء، خلافًا لابن عباس - ا - فإنه لا يقول: بالعول".
ثم ذكر تعليل تكرُّر مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] تكرر مع ميراث الزوج، وميراث الزوجة، بينما لما ذكر ميراث الأولاد، والأبوين ذكر ذلك بعدهما، يعني لم يذكر ذلك بعد الأبوين، ثم كرره بعد ميراث الآباء مثلًا، فأجاب عن هذا: أن ميراث الزوج يعتبر مسألة مستقلة من مسائل الفرائض، وميراث الزوجة كذلك فكرره لأجل هذا.
يقول: "بخلاف الأولى فإن الموروث فيها، واحدٌ ذكر حكم ما يرث منه أولاده، وأبواه" لكن في الصورة السابقة الموروث زوجة أو زوج، فاختلف الموروث، فقال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [النساء:12] كرر بعد كل واحد منهما.
"وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً الكلالة: هي انقطاع عمود النسب - وفي النسخة الخطية: عمودي النسب - وهو - والنسخة الخطية: وهي - خلو الميت عن ولدٍ، ووالدٍ".
"هي انقطاع عمود النسب" أو عمودي، لا إشكال، باعتبار أن عمود مفرد مضاف، فيكون بمعنى الجمع، والعموم، يعني من أعلى، وأسفل، يعني: مات، وليس له وارثٌ من جهة آبائه، وليس له، وارث لا من جهة الأصل، ولا من جهة الفرع، فعمود هنا تعم الجهتين كذلك "انقطاع عامودي النسب"، يعني: من أعلى، وأسفل، مات، ولم يترك، وارثًا من جهة الأصل، ولا من جهة الفرع، فهذه الكلالة.
وبعضهم يقول: هي مشتقة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جميع جوانبه.
وهنا يقول: "خلو الميت عن ولدٍ، ووالدٍ" وهذا ثبت عن ابن عباس - ا - أنه قال: كنت أخر الناس عهدًا بعمر يعني: قبل استشهاده، فسمعته يقول: القول ما قلت، قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له، ولا والد، وهو ثابت عن عمر وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم وصححه الحافظ ابن كثير والشيخ أحمد شاكر - رحم الله الجميع -.
وجاء عن أبي بكر أيضًا أنه سئل عن الكلالة، فقال نحو هذا مثل ما قال عمر وهذا مروي عن جماعة، كعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد، والشعبي، والنخعي، والحسن، وقتادة، وجابر بن زيد، وبه يقول أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، والفقهاء السبعة في المدينة، والأئمة الأربعة بل حكى عليه الإجماع جمعٌ من أهل العلم.
"ويحتمل أن تطلق هنا على الميت الموروث، أو على الورثة".
يعني الكلالة هنا هل تطلق على نفس الميت من مات بهذه الصفة لم يترك أصلًا، ولا فرعًا من الوارثين يقال له: كلالة؟ أو يقال ذلك على الورثة؟
يوجد إضافة يا شيخ في النسخة الخطية: أو على الورثة، أو على الوراثة.
يعني بعض أهل العلم يقولون: إن الكلالة تقال: لهذه الصورة، وهذا الذي أشرت إليه قبل قليل في توجيه (وهو) "أو على الورثة، أو على الوراثة"، يعني: هذه الحالة.
"ويحتمل أن تطلق هنا على الميت الموروث، أو على الورثة، أو على الوراثة، أو على القرابة، أو على المال، فإن كانت للميت فإعرابها خبر كان، ويورث في موضع الصفة، أو يورث خبر كان، وكلالة حالٌ من الضمير في يورث، أو تكون كان تامة، ويورث في موضع الصفة، وتكون كلالة حالٌ من الضمير، وإن كانت للورثة فهي خبر كان على حذف مضاف، تقديره ذا كلالة".
"فإن كانت للميت، فإعرابها خبر كان" كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] خبر كان، واسم كان (رجل)، و(يورث) يقول: "في موضع الصفة" لاسم كان، للرجل.
يقول: "أو يورث خبر كان" رجل اسمها، والخبر جملة فعلية، يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] خبر كان، "وكلالة حالٌ من الضمير في يورث" يورث هو يعني حال كونه كَلالَةً [النساء:12] باعتبار أن الكلالة تقال لنفس الميت.
"أو تكون (كان) تامة" يعني بمعنى وجد، فلا تكون عاملةً برفع المبتدأ على أنه اسمٌ لها، وتنصب الخبر على أنه خبرًا لها.
يقول: "أو تكون (كان) تامة، و(يورث) في موضع الصفة، وتكون كلالة حالٌ من الضمير" إذا كانت تامة، ويورث في موضع الصفة، فيكون الرجل فاعلاً وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ [النساء:12] يعني إن وجد رجلٌ، فرجل فاعل، وليس باسم كان، باعتبار أنها تامة، قال: "ويورث في موضع الصفة، وتكون كلالة حالٌ من الضمير" في (يورث) أي يورث هو، حال كونه كلالة، باعتبار أنه هو كلالة، وهذا كله باعتبار أن الكلالة هو الميت الذي كان بهذه الصفة.
يعني على نية حذف مضاف، يورث ذا كلالة، يورث هو، يعني حال كونه كذلك، ذا كلالة، هذا إذا كان تامة، والكلالة هي نفس الميت.
يقول: "وإن كانت للورثة" أي كانت الكلالة تقال للورثة، وليس للميت، باعتبار أنهم أحاطوا به، وتكللوه؛ لأنهم حواشي، وليسوا بأصول، ولا فروع، من تكلله النسب.
يقول: "فهي خبر كان على حذف مضاف، تقديره: ذا كلالة" هذا على حذف مضاف، إذا كانت خبر، وهناك على أنها حال، وإن كان رجلٌ يورث ذا كلالة، يعني صاحب كلالة، يعني قرابة، وارثين بهذه الصفة "ذا كلالة".
"أو حال على حذف مضافٍ أيضًا كما سبق، في حال كونه ذا كلالة.
"وإن كانت للورثة، فهي خبر كان على حذف مضاف تقديره ذا كلالة، أو حالٌ على حذف مضافٍ أيضًا، وإن كانت للورثة، فهي مصدر في موضع الحال".
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] "مصدر في موضع الحال" يعني: حال كون الوراثة الكلالة.
"وإن كانت للوراثة فهي مصدر في موضع الحال، وإن كانت للقرابة، فهي مفعولٌ من أجله تقديره: يورث من أجل القربى، وإن كانت للمال فهي مفعولٌ ليورث [وفي النسخة الخطية: فهي مفعولٌ ثانٍ ليورث] وكل وجهٍ من هذه الوجوه على أن تكون (كان) تامة، ويورث في موضع الصفة، وأن تكون ناقصة [وفي النسخة الخطية: أو تكون ناقصة] ويورث خبرها".
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، يعني: يورث هو، فهو نائب فاعل، ويكون كَلالَةً [النساء:12] مفعول ثانٍ وكل وجهٍ من هذه الوجوه على أن تكون (كان) تامة، و(يورث) في موضع الصفة.
"أو تكون ناقصة، و(يورث) خبرها" مع أنه سبق أنه يورث يمكن أن تكون صفة لاسمها، وهو رجل، وكلالة خبر.
"وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] المراد هنا: الأخ للأم، والأخت للأم بإجماع، وقرأ سعد بن أبي، وقاص: وله أخٌ أو أختٌ لأمه؛ وذلك تفسير للمعنى".
يعني القراءة غير المتواترة إذا صح سندها فهي تفسر القراءة المتواترة، فهنا وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] يعني من الأم، فهؤلاء لهم لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12] هذا في حال الانفراد."فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12] هذا إذا كان الأخ للأم واحدًا فله السدس، وكذلك إذا كانت الأخت للأم واحدة، فهم شركاء في الثلث إذا كان الإخوة للأم اثنين فصاعدا، فلهما الثلث بالسواء بين الذكر، والأنثى؛ لأن قوله: شركاء يقتضي التسوية بينهم، ولا خلاف في ذلك.
غَيْرَ مُضَارٍّ منصوبٌ على الحال، والعامل فيه يوصي، ومضار اسم فاعل، قال ابن عباس: الضرار في الوصية من الكبائر ووجه المضار [وفي النسخة الخطية: ووجوه المضارة] كثيرة: منها الوصية للوارث، والوصية بأكثر من الثلث، أو بالثلث فرارًا عن وارثٍ محتاج، فإن علم أنه قصد بوصيته الإضرار رد ما زاد على الثلث اتفاقًا، واختلف هل يرد الثلث على قولين في المذهب؟ والمشهور أنه ينفذ".
قوله: غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12] ذكر المضارة في هذا الموضع دون الآية التي قبلها، والآية التي قبلها لما ذكر ميراث الآباء، والأولاد لم يذكر المضارة.
والحافظ ابن القيم - رحمه الله - أشار هنا إلى ملحظ، وهو أن المضارة غالبًا لا تقع على الآباء، والأبناء، وإنما تقع على غيرهم من القرابات، يعني لا يريد أن يرثه الحواشي مثلًا، فلربما صدر عنه ما يحصل به الإضرار على الوارثين.
يقول: غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12] "منصوبٌ على الحال" يعني حال كونه كذلك "والعامل فيه يوصي" "ومضار اسم فاعل، قال ابن عباس: الضرار في الوصية من الكبائر ووجوه المضارة كثيرة: منها الوصية لوارث، والوصية بأكثر من الثلث، أو بالثلث فرارًا عن وارثٍ محتاج" يعني لا سيما إذا كان المال قليلًا "فإن علم أنه قصد بوصيته الإضرار رد ما زاد على الثلث اتفاقًا" هذا باعتبار أنه يجوز الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازه الورثة، والمسألة ليست محل اتفاق.
وذكر بعضهم من وجوه المضار: أن يوصي "بأكثر من الثلث" كما سبق، أو أن يقر بكل ماله، أو ببعضه لأجنبي، أو أن يقر على نفسه بدينٍ لا حقيقة له دفعًا للميراث عن الورثة، أو أن يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه، وصار إليه، يعني هناك مستحقات عند الآخرين، فيزعم أنه استوفاها، بحيث لا يأتي مال آخر، فيصير إليهم، أو أن يبيع شيئًا بثمنٍ بخس، أو أن يشتري شيئًا بثمنٍ مرتفع، كل ذلك لغرض ألا يصل المال للورثة، أو يوصي بالثلث من غير إرادة ما عند الله - تبارك، وتعالى - وإنما فقط للإضرار بهم، يعني: لينقص حقوقهم، فهذه المزاولات جميعًا سواءً كان هذا أو هذا، فالمقصود أنه يريد إيصال الأذى إليهم، فيضيع المال، فهناك أموال عند الآخرين يطالبهم بها فيقول: قد استوفيتها، وليس عند أحدٍ لي شيء، يعني هو لا يبالي أن يضيع المال، فمقصوده ألا يصل إلى هؤلاء الورثة، أو يذهب، ويشتري أشياء بأكثر من السعر المعتاد، أو يبيع الممتلكات، والعقارات بأسعار بخسة، حتى لا يصل للورثة شيء يذكر، أو يهب، أو يقول: هذا المال ليس لي، وإنما هو لفلان، ونحو هذا.
ولذلك تكلم الفقهاء على الهبة مثلًا في مرض الموت المخوف، هل تكون نافذة أو لا؟، وكذلك تكلموا عن مسائل فيما طلق الزوجات في مرض الموت المخوف؛ ولهذا يذكرون من صور المسائل التي يرث فيها أكثر من أربع زوجات، يقولون: قد يرث ثمان، فيطلق أربعًا من الزوجات التي عنده، فإذا انقضت العدة عقد على أربع في مرض الموت المخوف، ليحرم أولئك من الميراث، ويصير الميراث إلى هؤلاء من بنات عمه مثلًا، فيقول: المال لا يخرج عن دائرة الأسرة مثلًا، فهذا يحصل، قد لا تتصور مثل هذا، لكن أحيانًا يكون للأب أولاد عققة آذوه، ولقي منهم عنتاً، فهو لا يريد أن يصل لهم شيئًا من المال، أو قد يكون أحد هؤلاء الأولاد في حالة من الفساد، يعني توجد حالات يسأل أحيانًا أرباب المال، والثروة عنها، يكون هؤلاء الورثة من المجرمين، الذي يتعاطون المخدرات، ويبيعونها، ويروجونها، أو نحو ذلك، فيقول: هذا المال إذا صار إليهم سيكون عونًا على المعصية، والإجرام، والشر، والمنكر، فماذا أفعل؟ أجعله وقفًا، أو أهب هذا المال لآخرين؟ كيف أتخلص من هذا البلاء الذي هو المال لئلا يصير بعد ذلك بعدي سببًا لمعصية الله ؟ فهذه حالات توجد، فيريد أن يتخلص من هذا المال بطريقة مناسبة، بحيث لا يصل إلى هؤلاء الوارثين، ولربما لا يعلمون بالمال أصلًا، لو علموا لربما قتلوه حتى يستحوذوا على هذا المال، وتوجد أحوال لربما يفعل هذا: إما لسوئهم، وإما لغرضٍ آخر عنده، يعني: قد يكون الورثة هؤلاء من غير الأصول، والفروع من الحواشي، وبينهم قطيعة، قد يكون هذا المال سيصير إلى أخ واحد مثلًا، أو إلى إخوة، وبينهم عداوة، وقطيعة، وشر، وهو لا يريد أن يصل المال إليهم، فكيف يفعل؟ يتصرف بمثل هذه التصرفات.
"وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [النساء:12] مصدرٌ مؤكدٌ لقوله: وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [وفي النسخة الخطية: مصدرٌ مؤكدٌ لقوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء:12] ويجوز أن ينتصب بغير مصدر".
يقول: "وَصِيَّةً مصدرٌ مؤكدٌ لفعلٍ محذوف، يعني: وصى وصيةً، أو يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء:12] وصيةً مصدر مؤكد لفعلٍ محذوف، يعني: هذا الذي شرع من أحكام الميراث عهدٌ مؤكد من الله إليكم؛ لأن الوصية: هي العهد المؤكد، أو الأمر، والنهي الذي فيه تأكيد، يعني حينما تقول: افعل، أو لا تفعل، لا يقال: هذه وصية، لكن حينما يكون معه توكيد يكون ذلك وصية.
"ويجوز أن ينتصب بغير مصدر - وفي النسخة الخطية: أن ينتصب بغير مضار".
هو مصدرٌ منتصب على المصدرية، مؤكد لفعل محذوف يُوصِيكُمُ اللَّهُ بذلك وصيةً من الله.
"ويجوز أن ينتصب بغير مصدر" ماذا عندكم في النسخ؟
في جميع النسخ الخطية "بغير مضار".
لا هو لم ينتصب أصلًا بمضار، وإنما انتصب على المصدرية، يوصيكم الله بذلك وصيةً، فهو مصدر من فعل محذوف يوصيكم - والله أعلم -.