الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَآءِ ۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَٰبِ فِى يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِى لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُوا۟ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

 
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [سورة النساء:127].
روى البخاري عن عائشة - ا -: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [سورة النساء:127] إلى قوله: وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ [سورة النساء:127] قالت عائشة: "هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها، ووارثها، قد شَرِكته في ماله حتى في العَذْق؛ فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوِّجها رجلاً فيشركه في ماله بما شركته، فيعضلها، فنزلت هذه الآية" وكذلك رواه مسلم[1].
وروى ابن أبي حاتم عن عائشة - ا - قالت: ثم إن الناس استفْتَوْا رسول الله ﷺ بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآية [سورة النساء:127] قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب: الآية الأولى التي قال الله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [سورة النساء:3].
وبهذا الإسناد عن عائشة قالت: "وقول الله : وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ [سورة النساء:127] رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال، والجمال، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها، وجمالها؛ من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن" وأصله ثابت في الصحيحين[2]".

هذه الآية سبق الكلام على شيء مما يتعلق بها في أول السورة عند قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [سورة النساء:3]، وقول عائشة - ا - هو من أحسن ما تفسر به هذه الآية وتلك أي أن قوله: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء [سورة النساء:127] المراد به ما ذكره الله بقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [سورة النساء:3] أي: هذا هو الذي يتلى عليهم في الكتاب.
وقوله: وَمَا يُتْلَى في محل رفع عطفاً على لفظ الجلالة - الفاعل - على قول عائشة - وهو الأرجح من أقوال المفسرين - ويكون المعنى بهذا الاعتبار هكذا: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن، ويفتيكم فيهن أيضاً ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء، يعني أنكم تتبينون أحكام النساء مما يفتيكم به الله، وما تجدونه في كتابه - جل وعلا - كقوله تعالى في شأن اليتيمات: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [سورة النساء:3].
هذا أحسن ما تفسر به هذه الآية - والله أعلم - وهو أحسن من جعل قوله: وَمَا يُتْلَى مجروراً عطفاً على الضمير المجرور في قوله: قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [سورة النساء:127].
وعلى هذا التقدير الأخير يكون المعنى: يفتيكم فيهن، ويفتيكم فيما يتلى عليكم؛ إلا أن هذا فيه بُعد؛ لأن ما بيَّنه الله في كتابه مبين عن الأحكام لا أن الله - تبارك وتعالى - يفتي الناس فيما نزَّل عليهم.
ويستبعد هذا المعنى أيضاً من جهة الإعراب، وإن كان قد يرد في اللغة، وجاءت به بعض الأبيات من كلام العرب شواهد لكن فيه كلام كثير وهو هل يصح عطف الظاهر على الضمير بمعنى هل يصح أن يقال: إن قوله: يتلى معطوف على الضمير - الهاء في قوله فيهن - أو لا يصح؟
كثير من أئمة اللغة منعوا منه، والواقع أنه ورد ولكنه قليل في كلام العرب، وبغض النظر في هذا فهو كما سبق المعنى الظاهر - والله تعالى أعلم - وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [سورة النساء:127]، ويفتيكم فيهن ما يتلى عليكم في الكتاب.
وقوله تعالى: الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ يعني كمثيلاتهن من المهور، والنفقات.
وقوله: وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ تحتمل معنيين:
الأول: أن يكون المقدر "في" فيكون المعنى وترغبون في نكاحهن.
والثاني: أن يكون المقدر "عن" فيكون المعنى وترغبون عن نكاحهن.
والآية تحتمل هذا وهذا بحيث إذا كانت جميلة أو ذات مال رغبوا في نكاحها، ولا يعطونها مهر مثيلاتها، بل يهضمونها؛ لأنها يتيمة، وإذا كانت لا جمال فيها، ولا مال؛ فربما رغبوا عن نكاحها، وربما عضلها وليها؛ لأنها تشركه في ماله، أو يكون الحال كما كان أهل الجاهلية يفعلون إذا مات الميت ألقي وارثه عليها ثوباً فحبسها ،بحيث لا تستطيع التصرف بنفسها، فإن كان يرغب في التزوج منها تزوج، وإلا أبقاها من أجل أن يأخذ هذا الميراث الذي قدر لها، فلا تذهب إلى أحد آخر، ولا تذهب لأهلها.
والقاعدة أن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة؛ ولذلك يقال في قوله تعالى: وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ الآية: نهاهم الله عن ظلم هؤلاء النسوة اليتيمات في حالة الرغبة بالزواج منهن، وفي حالة الرغبة عنهن، والله أعلم.
"والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزويجها، فتارة يرغب في أن يتزوجها، فأمره الله أن يمهرها أسوة أمثالها من النساء، فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء فقد وسع الله ، وهذا المعنى في الآية الأولى التي في أول السورة، وتارة لا يكون للرجل فيها رغبة لدمَامَتِها عنده، أو في نفس الأمر، فنهاه الله أن يعضِلها عن الأزواج خشية أن يَشْركوه في ماله الذي بينه وبينها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - في الآية وهي قوله: فِي يَتَامَى النِّسَاء الآية [سورة النساء:127]: كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك بها لم يقدر أحد أن يتَزَوّجها أبدًا، فإن كانت جميلة وهويها تَزَوَّجَها، وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبداً حتى تموت، فإذا ماتت ورثها، فَحَرَّم الله ذلك، ونهى عنه.
وقال في قوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [سورة النساء:127] كانوا في الجاهلية لا يورثِّون الصغار، ولا البنات، وذلك قوله: لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [سورة النساء:127] فنهى الله عن ذلك، وبيَّن لكل ذي سهم سهمه فقال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [سورة النساء:11] صغيرًا أو كبيرًا، وكذا قال سعيد بن جبير وغيره.
وقال سعيد بن جبير في قوله: وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ [سورة النساء:127] كما إذا كانت ذات جمال، ومال؛ نكحتها، واستأثرت بها، كذلك إذا لم تكن ذات مال، ولا جمال فانكحها، واستأثر بها.
وقوله: وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [سورة النساء:127] تهييجًا على فعل الخيرات، وامتثال الأمر، وإن الله عالم بجميع ذلك، وسيجزي عليه أوفر الجزاء، وأتمَّه".

فذكرنا أن قوله - تبارك وتعالى -: وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ [سورة النساء:127] يشمل المعنيين اللذين ذكرهما المفسرون من السلف ومن بعدهم وهما: الرغبة عن نكاحها، والرغبة في نكاحها.
وقلنا: إن فيه مقدراً محذوفاً هو إما "في"، وإما "عن"، وعلى كل حال فالقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.
وقوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [سورة النساء:127] ذكر هنا أنهم كانوا لا يورثون الصغار مثلاً، ويدخل فيه أيضاً كل من يصدق عليه هذا الوصف بأنه من المستضعفين كاليتامى الذين أوصى الله بهم فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] وكقوله: قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ [سورة البقرة:220] وقوله: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [سورة الضحى:9] وما شابه ذلك.
  1. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة النساء (4324) (ج 4 / ص 1679) ومسلم في كتاب التفسير (3018) (ج 4 / ص 2313).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الشركة - باب شركة اليتيم وأهل الميراث (2362) (ج 2 / ص 883) وفي كتاب التفسير - باب تفسير سورة المائدة (4298) (ج 4 / ص 1668) ومسلم في كتاب التفسير (3018) (ج 4 / ص 2313).

مرات الإستماع: 0

"وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127] أي: يسألونك عما يجب عليهم في أمر النساء".

يعني ليس في ذوات النساء؛ لأن الأحكام لا تُناط بالذوات، مثل قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] يعني الاستمتاع بأمهاتكم، وهكذا حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3] يعني أكل الميتة، فهنا يوجد مقدر محذوف، فقوله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127] يعني عما يجب عليهم في أمر النساء.

"وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [النساء:127] عطفٌ على اسم (الله) أي: يفتيكم الله، والمتلوّ في الكتاب يعني القرآن".

وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [النساء:127] (ما) هذه اسم موصول، والتقدير: والذي يُتلى عليكم، وهو مبني في محل رفع، على أنه معطوف على ضمير الفاعل في (يفتيكم) يعني: الله، والتقدير: الله يفتيكم فيهن، والمتلو في الكتاب، يعني، والمتلو في الكتاب يفتيكم فيهن، يعني، والذي يُتلى عليكم في الكتاب يفتيكم في شأن النساء.

"فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [النساء:127] كان الرجل من العرب يتزوّج اليتيمة من أقاربه بدون ما تستحقه من الصداق".

وفي أسباب النزول جاء عن عروة بن الزبي - رحمه الله - أنه سأل عائشة - ا - عن قول الله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر، وليها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها، وجمالها، فيريد، وليها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها، فيعطيها مثلما يُعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يُقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول ﷺ بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله : وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127] الآية، فهذا الشاهد، قالت: والذي ذكر الله تعالى أنه يُتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] قالت عائشة - ا -: وقول الله في الآية الأخرى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] رغبة أحدكم عن اليتيمة التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال، والجمال، فنُهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها، وجمالها من يتامى النساء، إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن، وهذا مُخرج في الصحيحين[1].

"فقوله: مَا كُتِبَ لَهُنّ [النساء:127] يعني ما تستحقه المرأة من الصداق، وقوله: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] يعني: لجمالهن، ومالهن من غير توفية حقوقهن، فنهاهم الله عن ذلك أول السورة، في قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] الآية".

وهذا الذي أشارت إليه عائشة - ا -.

"وهذه الآية هي التي تُليت عليهم في يتامى النساء".

قوله تعالى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] يحتمل أن يكون المعنى: أنه يرغب في نكاحها لجمالها، أو مالها، ولا يعطيها مهر مثيلاتها، ويحتمل أن يكون المعنى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] يعني: وترغبون عن نكاحهن لقلة جمالهن، أو مالهن فيكون المعنى عكس الآخر، فهذا بعضهم يعده من قبيل المشترك من جهة التركيب، والاشتراك قد يكون في حرف، وقد يكون في اسم مثل (القرء) وقد يكون في فعل مثل (عسعس) وقد يكون من جهة التصريف مثل (يُضار) وقد يكون من جهة التركيب، مثل هذا وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] فهل هذا التركيب مقصود: وترغبون عن نكاحهن، أو ترغبون في نكاحهن، والآية إذا احتملت معنيين كلاهما صحيح، فإنه يمكن أن تُحمل على هذا، وهذا، يعني يجب الإقساط إلى النساء هؤلاء اليتيمات في كل الحالات، سواء أن كان يرغب في نكاحها لجمالها، أو مالها، أو لا يرغب في ذلك، فلا يجوز له أن يظلمها - والله أعلم -.

"وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [النساء:127] عطفٌ على (يتامى النساء) والذي يُتلى في المستضعفين من الولدان".

يعني ما يُتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء، والمستضعفين من الولدان، وهو قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11].

"وهو قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] لأن العرب كانت لا تورث البنت، ولا الابن الصغير، فأمر الله أن يأخذوا نصيبهم من الميراث".

يعني هذا تحذيرٌ من ظلم هؤلاء الضعفة، وحثٌ على أداء حقوقهم.

"وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ [النساء:127] عطفٌ على المستضعفين، أي: والذي يُتلى عليكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط".

هنا وَأَنْ تَقُومُوا [النساء:127] هذا مصدر مؤول، معطوف على يتامى النساء، يعني: ما يُتلى عليكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين، وفي القيام لليتامى بالعدل.

"ويجوز أن يكون منصوبًا، تقديره: ويأمركم أن تقوموا، أو الخطاب، في ذلك للأولياء، والأوصياء، أو للقضاة، وشبههم، والذي يُتلي عليهم في ذلك هو قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمًا [النساء:10] الآية، وقوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل [البقرة:188] إلى غير ذلك".

يقول: "ويجوز أن يكون منصوبًا، تقديره: ويأمركم أن تقوموا" لكن هذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل عدم التقدير، فإذا أمكن حمله على وجهٍ صحيح من غير حاجة إلى التقدير فذلك أولى.

يقول: "أو الخطاب في ذلك للأولياء"

هل هي (أو) أو (واو)؟

كأن الصواب: والخطاب، وليس، أو الخطاب.

"والخطاب في ذلك للأولياء، والأوصياء" يعني الولي على الصغير، أو المرأة، أو الوصي على اليتيم، "أو للقضاة، وشبههم".

وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ [النساء:127] فهذا الأمر بالقيام لليتامى بالقسط لا شك أن يتوجه إلى الأولياء، والأوصياء، وكذلك أيضًا القضاة فلهم أيضًا ولاية أحيانًا في مثل هذا، وقد يكون هؤلاء القضاة حاكمين، في شأن اليتامى، والنساء، وقد يكون تزويجهن عن طريق القاضي، وقد يكون مال اليتيم في عهدة القاضي، ونحو ذلك، فيتوجه الخطاب إلى هؤلاء جميعًا - والله أعلم -.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الشركة، باب شركة اليتيم، وأهل الميراث برقم: (2494)  ومسلم في كتاب الإيمان برقم: (3018).