يخبر تعالى أنه مالك السماوات، والأرض، وأنه الحاكم فيهما؛ ولهذا قال: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أي: وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله بعبادته وحده لا شريك له.
ثم قال: وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الآية [سورة النساء:132] كما قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لقومه: إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة إبراهيم:8] وقال: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة التغابن:6] أي: غنيٌّ عن عباده، حَمِيدٌ أي: محمود في جميع ما يقدره، ويشرعه.
ثم قال: وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الآية [سورة النساء:132] كما قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لقومه: إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة إبراهيم:8] وقال: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة التغابن:6] أي: غنيٌّ عن عباده، حَمِيدٌ أي: محمود في جميع ما يقدره، ويشرعه.
قوله: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [سورة النساء:132] أي هو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب الشهيد على كل شيء".
فهذه الآيات مرتبطة بقوله - تبارك وتعالى - قبلها: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [سورة النساء:130] أي أنه إذا لم يحصل الوفاق بين الزوجين فإن ملك الله واسع يغني كل واحد من فضله، وبذلك تطمئن النفوس في حال الفراق، وتعلم أن أرزاقها بيد الله ، وتتوجه إليه في طلب رغباتها، وحاجاتها، فهذه المرأة إذا طلقت لن تضيع، وإنما الأرزاق والخزائن بيد الله فقال: وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ [سورة النساء:131] ثم قال بعد ذلك: وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [سورة النساء:131] كما قال الله : إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [سورة الزمر:7] وكما قال سبحانه: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [سورة محمد:38] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على غنى الله عن الخلق، ولذلك فإن ابن جرير - رحمه الله - يذكر وجه إعادة هذه الجملة: وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [سورة النساء:131-132] مرتين فيقول: إن الأولى في بيان غنى الله عن الخلق، وحاجة الخلق لربهم وبارئهم - تبارك وتعالى -.
وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [سورة النساء:131] أي أنه المحمود في كل حال وهو محمود في غناه؛ ومعلوم أن الغنى بالنسبة للإنسان مظنة البطر والطغيان كما قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق:6-7]، أما الله - تبارك وتعالى - فهو محمود في غناه.
ثم قال في الآية الثانية: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [سورة النساء:132] وهذه على قول أبي جعفر بن جرير - رحمه الله -: إنها في بيان تدبير الله للخلق، وحفظه لهم، وإقامته إياهم، فهذا هو الفرق بينهما، ولذلك كرر هاتين الجملتين، فالأولى في بيان حاجة الخلق إلى بارئه، وأنه لا يستغني عنه، والثانية في أن الله - تبارك وتعالى - يحفظ هذا الكون، وهذا الخلق؛ ويعلم به، ويدبره.