الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا۟ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا۟ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ۝ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء:150-152].
توعد - تبارك وتعالى - الكافرين به وبرسله من اليهود، والنصارى؛ حيث فَرّقوا بين الله ورسله في الإيمان، فآمنوا ببعض الأنبياء، وكفروا ببعض بمجرد التشهي، والعادة، وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك، بل بمجرد الهوى، والعصبية.
فاليهود - عليهم لعائن الله - آمنوا بالأنبياء إلا عيسى، ومحمداً - عليهما الصلاة والسلام -، والنصارى آمنوا بالأنبياء، وكفروا بخاتمهم، وأشرفهم؛ محمد ﷺ، والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال: إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له "زرادشت"، ثم كفروا بشرعه، فرفع من بين أظهرهم، والله أعلم.
والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء؛ فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن ردَّ نبوته للحسد، أو العصبية، أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًّا؛ إنما هو عن غرض، وهوى، وعصبية، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ [سورة النساء:150] فوسمهم بأنهم كفار بالله، ورسله وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ [سورة النساء:150] أي في الإيمان وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [سورة النساء:150] أي: طريقًا، ومسلكًا".

مرات الإستماع: 0

"إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ [النساء:150] الآية: في اليهود؛ لأنهم آمنوا بأنبيائهم، وكفروا بمحمدٍ ﷺ وغيره، ومعنى التفريق بين الله، ورسله: الإيمان به، والكفر برسله، وكذلك التفريق بين الرسل هو الكفر ببعضهم، والإيمان ببعضهم، فحكم الله على من كان كذلك بحكم الكفر الحقيقي الكامل."

كما قال الله - تبارك، وتعالى -: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285] كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285] فالتفريق هو أن يؤمن ببعضٍ، ويكفر ببعض، ومن آمن بالله، وكفر ببعض رسله فقد فرَّق بين الله، ورسله، فلا يصح إيمانه بالله بهذا الاعتبار، وكون ذلك في أهل الكتاب باعتبار أنه هو الذي وقع منهم، من كذَّب بواحد من الرسل - عليهم الصلاة، والسلام - فقد كذَّب بجميع الرسل، ولهذا قال الله عن قوم نوح: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] وما جاءهم إلا رسول واحد، أول رسول إلى أهل الأرض هو نوح - عليه الصلاة، والسلام - ومع ذلك جاء بصيغة الجمع.

الآية في اليهود، والنصارى، وحتى قول: "نزلت" فإنه ليس بصريح في سبب النزول، وإنما أنهم يدخلون في المعنى، الآية في اليهود، والنصارى، ولا يصح فيها سبب نزول، لا يثبت فيها سبب نزول؛ لأن سبب النزول هو ذكر واقعة حادثة معينة فنزلت الآية بسببها، أو سؤال.