الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَمْ يُفَرِّقُوا۟ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُو۟لَٰٓئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم أخبر تعالى عنهم فقال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [سورة النساء:151] أي: كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛ لأنه ليس شرعيًّا، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره، وبمن هو أوضح دليلاً، وأقوى برهانًا منه، أو نظروا حق النظر في نبوته.
وقوله: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [سورة النساء:151] أي: كما استهانوا بمن كفروا به إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله، وإعراضهم عنه ،وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه، وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله ﷺ حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة، وخالفوه، وكذبوه، وعادوه، وقاتلوه، فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ [سورة البقرة:61] في الدنيا، والآخرة.
وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ [(152) سورة النساء] يعني بذلك أمة محمد ﷺ فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، وبكل نبي بعثه الله كما قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ الآية [سورة البقرة:285].
ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل، والثواب الجليل، والعطاء الجميل فقال: أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ [سورة النساء:152] على ما آمنوا بالله، ورسله وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا أي: لذنوبهم، أي إن كان لبعضهم ذنوب".

فهذا الكلام الذي ذكره الحافظ - رحمه الله - لا يحتاج إلى كثير تعليق فهو واضح وليس فيه ما يشكل، إلا أن قوله: إن الفرس بعث إليهم نبي يقال له زرادشت؛ فهذا لم يثبت، ولذلك لا نثبت نبوته.
ومن المعروف في تاريخ الفرس أن من مذاهبهم في بعض مراحل دولتهم الفارسية مذهباً معروفاً يذكر في الملل، والنِّحل، والفِرَق، والأهواء يقال له: زرادشتيه، فالله تعالى أعلم.
وما يذكرونه في بوذا أيضاً لا يثبت؛ لأننا لا نثبت إلا ما ثبت من طريق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في الكتاب، والسنة، وما عدا ذلك فإننا نتوقف فيه، فالله تعالى أعلم.
وفي قوله تعالى: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [سورة النساء:151] ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - نوعي الكفر: كفر الإعراض، وكفر الجحود، فالكفر لا يقتصر على الجحود فحسب بل الكفر أنواع منه ما يكون كفر جحود، ومنه ما يكون كفر إعراض، ومنه ما يكون كفر شك، وما أشبه ذلك، فالذين يربطون الكفر دائماً أو يفسرونه بالجحود فقط هؤلاء أخطئوا، وقد جاء في خبر عرض النبي ﷺ نفسه على قبائل العرب لما قال له الرجل الذي ينتسب إلى بني عبد ياليل، فقال له: إن كنت نبياً فأنت أعظم من أن أكلمك، وإن لم تكن نبياً فأنت أدنى من أن أرد عليك، ثم ذهب وتركه، فهذا يسمى كفر إعراض وليس كفر جحود؛ لأنه قد بلغته دعوة النبي ﷺ فأعرض عن ذلك - ولم يؤمن - بهذه الدعوى الساقطة التي ذكرها.
وقوله - تبارك وتعالى -: أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [سورة النساء:151] هذا جاء تعقيباً على ما وصف الله من المفرقين بين الله ورسله من اليهود، والنصارى، وهذا كثير في القرآن، فالله يذكر بعض الذنوب والجرائم، أو بعض الأعمال الطيبة، ثم يأتي بالحكم عاماً ليشمل هؤلاء وغيرهم.
والشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في كتابه "القواعد الحسان" ذكر لهذا نظائر وأمثلة كثيرة مفيدة، وذلك أن الذين أعد الله لهم العذاب المهين ليسوا هؤلاء فقط الذين يفرقون بين الله ورسله، ويكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يتخذوا سبيلاً يسلكونه في هذا، فلما كان العذاب المهين لكل الكافرين جاء بالحكم عاما فقال: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [سورة النساء:151] ولم يقل: وأعتدنا لهم عذاباً مهيناً؛ لئلا يُفهم أن العذاب مختص بهؤلاء، وكذلك عند الكلام على المؤمنين قال تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ثم أتى بحكم عام فقال: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء:146] ونحو هذا موجود في كتاب الله تعالى.

مرات الإستماع: 0

"وَالَّذِينَ آمَنُوا [النساء:152] الآية في أمة محمدٍ ﷺ لأنهم آمنوا بالله، وجميع رسله."

يعني كما هي طريقة القرآن يذكر هؤلاء، وهؤلاء، يجمع بين الترغيب، والترهيب.