الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ [سورة النساء:157] أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه، وهذا منهم من باب التهكم، والاستهزاء، كقول المشركين: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر:6]".

التهكم هنا باعتبار أن من جملة قولهم: "رسول الله" في قولهم: "إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله" وذلك أنهم لا يؤمنون أنه رسول؛ لكن قالوها هنا من باب التهكم، كما في قوله تعالى عن المشركين: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر:6] فهم لا يؤمنون أنه نزل عليه الذكر يعني النبي ﷺ وإنما من باب التهكم، لكن أيضاً الآية تحتمل شيئاً آخر وهو أن قوله: رَسُولَ اللّهِ [سورة النساء:157] هو من كلام الله، وقولهم فقط هو: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [سورة الحجر:6] ولا شك أن قولهم هذا في غاية البجاحة، وكذلك قولهم على مريم بهتاناً عظيماً هو من البجاحة، والظلم، وهذا كله ولَّد عند النصارى في مقابل ذلك ردود أفعال قوية جداً فعبدوا المسيح، وهكذا تنشأ الطوائف، ويقع الانحراف بهذه الطريقة غالباً، كما حصل لما تكلم من تكلم من العلماء وغيرهم في يزيد بن معاوية، وقتلِ الحسين إضافة إلى الشناعة على يزيد، والوقيعة فيه، ولعنه؛ جاءت طائفة في المقابل فصاروا يؤلهون يزيد وهذه هي الطائفة اليزيدية الموجودة في العراق، فهؤلاء لم يقولوا بتبرئته، وأنه إنسان بريء، وأنه إنسان جيد لا يستحق أن يقال فيه هذا، بل ألهوه وعبدوه من دون الله، وهكذا كثير من النفوس تنتقل من طرف إلى طرف في ردود أفعالها، والله المستعان.
"وكان من خبر اليهود - عليهم لعائن الله، وسخطه، وغضبه، وعقابه - أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة، والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه، والأبرص، ويحيي الموتى - بإذن الله -، ويصور من الطين طائرًا، ثم ينفخ فيه فيكون طائرًا يشاهَدُ طيرانه - بإذن الله -  إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها، وأجراها على يديه، ومع هذا كذبوه، وخالفوه، وسَعَوْا في أذاه بكل ما أمكنهم، حتى جعل نبي الله عيسى لا يساكنهم في بلدة، بل يكثر السياحة هو وأمه - عليهما السلام -، ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان - وكان رجلاً مشركًا من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته "اليونان" -، وأنهوا إليه أن ببيت المقدس رجلاً يفتن الناس، ويضلهم، ويفسد على الملك رعاياه، فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه على الناس، فلما وصل الكتاب امتثل مُتَولِّي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى وهو في جماعة من أصحابه اثنا عشر أو ثلاثة عشر، وقيل: سبعة عشر نفرًا، وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هنالك، فلما أحس بهم، وأنه لا محالة من دخولهم عليه، أو خروجه عليهم؛ قال لأصحابه: أيكم يُلْقَى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتَدَب لذلك شاب منهم، فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية، وثالثة، وكل ذلك لا يَنْتَدبُ إلا ذلك الشاب، فقال: أنت هو، وألقى اللهُ عليه شبه عيسى حتى كأنه هو، وفُتحَت رَوْزَنَة من سقف البيت، وأخذت عيسى سِنةٌ من النوم فرُفع إلى السماء وهو كذلك كما قال الله تعالى: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ الآية [سورة آل عمران:55] فلما رُفع خرج أولئك النفر، فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل، وصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه، وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه، وتبجحوا بذلك، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم، وقلة عقلهم؛ ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب، وبكت، ويقال: إنه خاطبها - والله أعلم -، وهذا كله من امتحان الله عباده؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة.
وقد أوضح الله الأمر، وجلاه، وبيَّنه، وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم المؤيد بالمعجزات، والبينات، والدلائل الواضحات فقال تعالى - وهو أصدق القائلين، ورب العالمين؛ المطلع على السرائر، والضمائر، الذي يعلم السر في السماوات والأرض، العالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [سورة النساء:157] أي: رأوا شبهه، فظنوه إياه".

جملة وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [سورة النساء:157] محتملة في المعنى فهي يمكن أن تكون كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وهو المشهور أنهم رأوا شبهه فظنوه إياه، ويمكن أن يكون أنهم ما كانوا يعرفون شخصه، فجاءوا وقتلوا من قتلوا وهم غير متأكدين أن هذا هو المسيح؛ لأنهم لا يعرفون شخص المسيح، ولم يروه قبل، ويحتمل أن يكون ألقي شبهه على جميع من كان معه في الدار، فقتلوا واحداً منهم وهم غير متأكدين هل الذي قتل هو المسيح أو غيره، وبهذا الاعتبار وقع الاشتباه حتى على النصارى الذين معه كما قال الله : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [سورة النساء:157] وهذا القول يقول به أبو جعفر بن جرير -رحمه الله- أعني يقول: إن الشبه ألقي على جميع من في الدار فقُتل من قتل ظناً أنه المسيح، وبقي الأمر ملتبساً حتى على من كان معه، لكن هذا لا يخلو من إشكال؛ لأنه رفع - عليه الصلاة والسلام -، فإذا كانوا معه في الدار فإنهم سيشاهدون رفعه، فالحاصل أنه وقع لهم التباس لنقص واحد من العدد، حيث ورد في بعض الروايات أن الذين جاءوا لقتله عرفوا عدد من في الدار، فألقي الشبه على الجميع، فلما جاءوا وجدوا أن العدد قد نقص واحداً، فهم قتلوا واحداً وهم يظنون أنه هو، فبقي الأمر ملتبساً عليهم لاسيما وقد نقص العدد الذي قد عرفوه، وعلى كل حال لم يصح من هذه الروايات شيء عن رسول الله ﷺ، وإنما هي متلقاة من بني إسرائيل، فالله أعلم.
ويحتمل أن يكون أصحاب المسيح قد خرجوا وما بقي معه إلا ذلك الذي ألقي عليه الشبه، فرفع المسيح ، وقتل الذي ألقي عليه الشبه، فخرج اليهود يقولون: قتلنا المسيح، فبقي أصحاب المسيح الذين خرجوا أولاً في لبس أيضاً وذلك أن المسيح فُقِد، فهم لا يدرون هل قُتل حقيقة، فلما صلب الشخص الذي يُشبه المسيح ظنوا أنه هو.
وبعض أهل العلم يقول: إن ذلك لا يقدح في أصحاب المسيح لأنهم حكموا بحسب ما شاهدوا، وما عرفوا، وهذا هو مبلغهم من العلم؛ فهم معذورون بهذا الاعتبار، واللوم يبقى على اليهود الذين قتلوه، وتسببوا في قتله، فهذه معانٍ تحتملها هذه الجملة؛ لكن المشهور أنه ألقي شبهه على واحد من أصحابه، ثم التبس على اليهود، وعلى طوائف من النصارى أن الذي قتل هو المسيح، وعلى كل حال فالله قال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ [سورة النساء:157] كما قال الله أيضاً في طوائف من أهل الكتاب: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ [سورة الشورى:14] فهم لا ثقة لهم باعتقادهم، وأعظم عقيدة من عقائد النصارى هي عقيدة التثليث، وعقيدة الصلب، ولذلك إذا أردت أن تناظر النصارى فابدأ بكسر عقيدتهم من خلال هذين الأمرين، ثم انتقل إلى بيان براهين الحق مما جاء به الرسول ﷺ، فهؤلاء عندهم عقيدة الصلب، والتثليث، وليس لهم بذلك علم محقق راسخ، بل ذكر الله الذي يعلم حقائق ما في النفوس، وما تنطوي عليه القلوب أنهم في شك وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ [سورة الشورى:14] وهذا يدل على أن عقائدهم هشَّة، وهذا من أنفع ما يكون للمسلمين، وذلك أنهم لو تأملوا في مثل هذا النصوص لعرفوا كيف يدخلون من أبواب واسعة على هؤلاء المنحرفين الذين تُعد عقيدتهم وصمة عار في جبين البشرية كما قال أهل العلم، فعقيدة النصارى من مدنسات البشر حيث ادَّعوا أن اللاهوت حلَّ بالناسوت أي أن الله - تعالى وتقدَّس - حلَّ بالبشر، وهذه عقيدة هشة لو وُجد من يناظرهم بصورة جيدة وصحيحة لرأيتهم مساكين، وأنا رأيت بعض من يناظرهم مصوَّراً فهالني ما رأيت؛ حيث كان يناظرهم رجل بطلاقة؛ فكانت الكاميرا تأتي على وجوه الحضور أثناء المناظرة، وقد كانت المناظرة في الرياضيات في الكتاب المقدس، فكان المناظر طليقاً جداً، ويتكلم بسرعة، وبقوة، وبدون أن يحمل ورقاً، وكان يذكر الأرقام، والحسابات الخاطئة في الكتاب المقدس، ويقول: هذه يعرفها الطالب في الإعدادي، وإذا رأيت الكاميرا وهي تنتقل على وجوههم دون أن يشعروا تراهم قد انشدّت أبصارهم، وقلوبهم؛ إلى الذي يتحدث، فصورهم في غاية التعجب والدهشة، فالمقصود أنهم لا عقائد سوية لهم، لكن للأسف نجد أن القضية قد انقلبت وانعكست حيث صاح الشيطان صيحته، فتضعضعت الأقدام، وتراجع من تراجع من المسلمين عن عقيدتهم، ومناهجهم، وولائهم، وبرائهم، وموقفهم من عدوهم، وبدءوا يتهافتون ويتساقطون - نسأل الله العافية -، وانكشف الأمر عن هشاشة في الاعتقاد، وفي القناعات، وفي التربية، وفي صحة التصورات، وفي الثبات على المبادئ؛ مع أنهم أهل حق، وأهل إسلام، وهذا لما صاح دجال صغير من الدجاجلة من أعداء الله - تبارك وتعالى -؛ فكيف إذا ظهر الدجال الأكبر، ورأوه يمر على الخربة، ويقول لها: "أخرجي كنوزكِ" فتخرج كنوزها، ويمر على الناس لا يؤمنون به فيبقون ممحلين، ويمر على الناس فيتبعونه فتنبت أرضهم، وتدر السماء، وترجع إليهم سارحتهم وهي ممتدة الخواصر، وأوفر ما كانت لبناً، والذين لا يؤمنون به يحصل لهم القحط، والأذى، والشدة، والفقر؟ وإذا كان لصيحة دجال صغير تضعضع من تضعضع من المسلمين، وتراجع من تراجع، وتهشم من تهشم، وسقط من سقط، وزلت كثير من الأقدام، وظهرت بلايا، وخبايا، ومصائب ما كنا نتوقع أن نعيش حتى نسمعها؛ فكيف هو الحال إذا فتنوا بالمسيح الدجال؟ نسأل الله العافية والسلامة.
"ولهذا قال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ [سورة النساء:157] يعني بذلك من ادعى قتله من اليهود، ومن سَلَّمه إليه من جهال النصارى؛ كلهم في شك من ذلك، وحيرة، وضلال، وسُعُر، ولهذا قال: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [سورة النساء:157] أي: وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين".

فقوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ [سورة النساء:157] ذكرنا بالأمس الوجوه التي تحتمله الآية، ومنها أنه ألقي الشبه على الجميع أي: التبس الأمر على أصحاب المسيح - عليه الصلاة والسلام -، والتبس أيضاً على اليهود القتلة، أو أنهم خرجوا من عنده، وألقي الشبه على الذي معه فرفع عيسى - عليه الصلاة والسلام -، وبقية أصحابه لم يعلموا حقيقة ما جرى، أو أن أولئك لما افتقدوا شخصاً واحداً إن كانوا عرفوا عِدّة من في الدار فالتبس الأمر حينما ألقي الشبه، أو غير ذلك من الاحتمالات، وأقرب ذلك أنه ألقي الشبه على واحد منهم - وهذا هو المشهور -، فهم قتلوه ولم يكونوا متيقنين من قتله ربما لأن عِدّة من وجدوهم كان قد نقص منها واحد، والله تعالى أعلم، ولهذا قال الله : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ [سورة النساء:157] يعني أنهم غير متيقنين من هذا الأمر.
وابن جرير - رحمه الله - يقول: إن المعنى أنهم قتلوا الذي قتلوه على غير يقين منهم أنه عيسى - عليه الصلاة والسلام - أي أنهم قتلوا رجلاً وهم يشكون أنه المسيح، أي أن الشك موجود عندهم من أول الأمر حينما عمدوا إلى قتله هل هو عيسى أو غيره.
قوله: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [سورة النساء:157] أي: وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين، وهذا موافق تمام الموافقة لقول ابن جرير - رحمه الله - أي أنهم لم يتحققوا من ذلك.
وقوله: يَقِينًا يحتمل أن يكون حالاً أي: وما قتلوه قتلاً يقيناً، ويحتمل أن يكون صفة لمصدر محذوف، وهذا بناء على أن الضمير يرجع إلى المسيح عيسى ﷺ.
كما أنه يحتمل أيضاً أن يكون راجعاً إلى الظن يعني أنهم لم يمحصوا هذا الظن تمحيصاً كافياً كما تقول: قتلت هذه المسألة دراسة وبحثاً، وعلى كل حال فالأول أحسن لأن توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها كما أنه هو المتبادر أصلاً؛ لأن الكلام كله عن عيسى - عليه الصلاة والسلام -، والله تعالى أعلم.

مرات الإستماع: 0

"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [النساء:157] عدَّد الله في جملة قبائحهم قولهم: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ [النساء:157]؛ لأنهم قالوها افتخارًا، وجرأةً مع أنهم كذبوا في ذلك، ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوه؛ لأنهم صلبوا الشخص الذي أُلقي شبهه عليه، وهم يعتقدون أنه عيسى، ورُوي أن عيسى قال للحواريين: أيكم يُلقى عليه شبهي فيُقتل، ويكون رفيقي في الجنة؟ فقال أحدهم: أنا، فأُلقي عليه شبه عيسى، فقُتل على أنه عيسى، وقيل: بل دلَّ على عيسى يهودي، فألقى الله شبه عيسى على اليهودي فقُتل اليهودي، ورُفع عيسى إلى السماء حيًّا حتى ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال."

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى [النساء:157] - عليه الصلاة، والسلام - تقدم الكلام على المسيح، ولماذا سُمي بذلك، فبعضهم قال: لأنه لا يمسح على ذي عاهة إلا برأ.

وبعضهم يقول: مسيح لأنه يمسح الأرض، يعني بمعنى السياحة في الأرض.

وبعضهم يقول: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، أو لأنه أمسح القدمين، يعني ليس في باطن قدمه تجويف - فالله أعلم -.

وأقرب ذلك المسيح باعتبار أنه لا يمسح على ذي عاهة إلا برأ.

يقول ربنا - تبارك، وتعالى -: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] شُبِّهَ لَهُمْ يحتمل أن يكون المعنى - كما ذكر - أُلقي شبهه على غيره، إما على أحد أصحاب المسيح كما ذكر المؤلف، أو باعتبار أنه أُلقي على أحد أعداء المسيح، أُلقي الشبه عليه، فأُخذ، وقُتل يظنون أنه المسيح وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] حيث أُلقي شبهه على غيره.

ويحتمل أن يكون وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] من الشبهة شُبِّهَ لَهُمْ وقع لهم الاشتباه بأي اعتبار؟ يمكن أن يكون ذلك نتيجة لوقوع الشبه، ويمكن أن يكون ذلك أيضًا باعتبار أنه وقع لديهم التباس، ولبس بأصل هذا الأمر، يعني النصارى مثلاً - لما قال اليهود: بأنهم صلبوه، وفقدوا المسيح - وقع لديهم اشتباهٌ بذلك شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] شبهة شُبِّهَ لَهُمْ قيلت فأوقعت لبسًا في أمر المسيح - عليه الصلاة، والسلام - وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [النساء:157] وهذا من الآيات التي تدل على حقيقة اعتقاد هؤلاء في أصل دينهم، يعني قضية الصليب، والصلب، ونحو ذلك، الله يقول: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [النساء:157] فهم غير متيقنين، كما أنهم غير متيقنين بكتابهم، وأصل دينهم.وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [الشورى:14] مقلق، فعندهم قلق، وشك، واضطراب في دينهم، هذا إذا كان أهل دينهم من كبرائهم، ونحو ذلك، فكيف بعامتهم؟!! وهذا يدل على أنهم غير واثقين بما هم عليه من جهة، ويدل على سهولة أيضًا دعوتهم؛ لأنهم على شك: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157].

 

رَسُولَ اللَّهِ [النساء:157] إن قيل: كيف قالوا فيه: رَسُولَ اللَّهِ وهم يكفرون به، ويسبونه؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم قالوا ذلك على وجه التهكم، والاستهزاء."

هذا اختاره ابن كثير رحمه الله -[1] مثل قوله - تبارك، وتعالى - عن قول الكفار: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر:6] هم لا يؤمنون أنه أُنزل عليه الذكر، وكذلك على أحد المعنيين: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود:87] أنهم قالوه على سبيل التهكم.

"والثاني: أنهم قالوه على حسب اعتقاد المسلمين فيه، كأنهم قالوا رسول الله عندكم، أو بزعمكم."

يكون هذا بناءً على أصل، وهو أن الخطاب قد يخرج مراعًى فيه نظر المخاطب، وإن كان القائل لا يعتقد ذلك، وهذا له نظائر في كلام الله وأيضًا ما يُذكر في القرآن من قول القائلين بحسب زعمه.

"والثالث: أنه من قول الله لا من قولهم فيُوقف قبله، وفائدة تعظيم ذنبهم، وتقبيح قولهم: إنا قتلناه."

كأن هذا هو الأقرب - والله أعلم - أنه من كلام الله لا من قولهم؛ لتقبيح هذا الفعل، وتشنيعه يقولون: قتلنا المسيح، وهذا الذي قالوه إنما هو الذي زعموا أنهم قتلوه هو رسولٌ من الله - تبارك، وتعالى - فقتله ليس كقتل غيره، فشر الناس، وأشدهم عذابًا من قتل نبيًا، أو قتله نبي.

 

"وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ [النساء:157] ردٌ عليهم، وتكذيبٌ لهم، وللنصارى أيضًا في قولهم: إنه صُلب حتى عبدوا الصليب من أجل ذلك، والعجب كل العجب من تناقضهم في قولهم: إنه الله، أو ابن الله، ثم يقولون: إنه صلب."

ثم أيضًا عبادة الصليب لا معنى لها، يعني هذا الصليب الذي هو رمز لنكايةٍ وقعت بمن يُعظِّمونه، ويعبدونه من دون الله كيف يُقدَّس، ويُعبد هذا الصليب؟! يعني يفترض أن يكون نذير شؤم، وشيء بغيض بالنسبة إليهم صُلب عليه المسيح بزعمهم، فكيف يقدِّسونه، ويعبدونه؟!

ولهذا فإن اعتقاد هؤلاء في غاية الفساد حتى قال بعض أهل العلم: بأن اعتقاد النصارى - عقيدة النصارى -: وصمة عار في جبين البشرية، عقيدة أفسد العقائد، أولاً: في تناقضها، واضطرابها، ولا يمكن أن تُقبل من جهة العقل، ثلاثة في واحد، واحد في ثلاثة، هم لا يفقهون هذا، ولا يفهمونه، ولا يستطيعون الجواب عن سؤالٍ حائرٍ فيه.

وكذلك أيضًا هؤلاء يزعمون أن هذا الإله، أو ابن الإله أنه قُتل، وصُلب، فكيف يُقتل الإله، ويُصلب؟! وهؤلاء الذين قووا عليه، وغلبوه فقتلوه، ولم يستطع أن يدفع عن نفسه، كيف يكون الإله بهذه المثابة؟! مهما زعموا من أن ذلك لتكفير الخطيئة، ونحو هذا فهذا أقبح مما قبله.

"وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] فيه تأويلان: أحدهما: ما ذكرناه من إلقاء شبهه على الحواري، أو على اليهودي."

كما قال ابن كثير، يعني رأوا شبهه فظنوه إياه[2] شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].

"والآخر: أنّ معناه شبه لهم الأمر أي خلط لهم القوم الذين حاولوا قتله فإنهم قتلوا رجلاً آخر، وصلبوه، ومنعوا الناس أن يقربوا منه، حتى تغير بحيث لا يُعرف، وقالوا للناس: هذا عيسى، ولم يكن عيسى، فاعتقد الناس صدقهم، وكانوا متعمدين للكذب."

وقيل: إنهم ما كانوا يعرفون شخصه، فقتلوا من قتلوا، وهم شاكون فيه هل هو المسيح، أو لا؟ فوقع عندهم اشتباهٌ، والتباس، ابن جرير - رحمه الله - ذهب إلى أن شبهه أُلقي على جميع من معه[3] ليس على واحد فالتبس، وكانوا قد عرفوا عدد من في البيت معه ففقدوا واحدًا، فقتلوا من قتلوا على شكٍ منهم في أمر عيسى، أو أن أصحابه تفرقوا سوى من أُلقي عليه الشبه فقُتل، فكان ذلك سببًا لالتباس الأمر على أصحابه، وعلى أعدائه؛ لنقص العدد الذي أحصوه، باقي واحد، من هذا الواحد الذي فُقد؟ فوقع الالتباس، يعني كل هذا يدور يعني ما ذكره ابن جرير - رحمه الله - يدور حول معني، وهو الالتباس شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] لكن بعض هذه الاحتمالات التي ذكرها: كون شبهه أُلقي على جميع من معه فالتبس إلى آخره، يعني فيها أن الشبه أُلقي فوقع اشتباه كما ذكرت أولاً، وهذا الشبه الذي أُلقي أوجب اشتباهًا، والتباسًا شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] - فالله أعلم -.

أكثر كلام المفسرين من ناحية الهيئة، والصورة، والشكل، لكن التباس الأمر: إما أن يكون بسبب إلقاء الشبه بالشكل، أو سبب العدد أيضًا، فوقع التباس، عندهم من هذا، ومن الأباطيل العجيبة الشيء الكثير، من أكثر الناس بدعًا النصارى، لو تقرؤون في مثل: "اقتضاء الصراط المستقيم" سبق قرأناه، عندهم أشياء كثيرة جدًا، وأعياد لا تنتهي، وبدع فيها مثل صبغ الأبواب، وصبغ البيض، وأعياد أسماء كثيرة عجيبة، وخرافات، وبابا نويل، ومجيء بابا نويل، وغير بابا نويل، أشياء لا يمكن أن يقبلها الحمقى، والمغفلون، لكن الناس لا يرون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا عند هؤلاء، ولكن لا ينظرون إلى ما عندهم من البدع، والخرافات، والجهل، والجهالات العجيبة، وقد هممت في بعض الأحيان أن أجمع شيئًا من هذا، وأذكر ذلك في درسٍ عام، أو نحو هذا؛ ليتعرف الناس على بعض ما عند النصارى من العقائد التي لا تقبلها الحيوانات، ويظنون أن المسلمين أهل تخلف، يعني من بعض بني جلدتنا تخلف، وعندهم إلى آخره، لكن لو اطلعوا على هؤلاء ليُعجبون بهم، وليقتفون آثارهم، لعرفوا أنهم يتبعون لونًا لربما لا يصلح أن يكون من جنس العقلاء - والله المستعان -.

قولهم: هو الله، أو ابن الله، كل هذا يقولونه؛ لكن إله، أو ابن إله، ولا إشكال أن يكونوا قد قالوا: بأنه هو الله، هم اختلفوا فيه اختلافًا كثيرا؛ لهذا قال بعض أهل العلم: لو اجتمع عشرة من النصارى لخرجوا بثلاثة عشر قولاً من شدة اختلافهم، يعني لو خرجوا يتحدثون عن المسيح مثلاً لخرجوا بثلاثة عشر قولاً من شدة اختلافهم.

"وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [النساء:157] رُوي أنه لما رفع عيسى، وأُلقي شبهه على غيره فقتلوه، قالوا: إن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا، فقال بعضهم: هو هو، وقال بعضهم: ليس هو، فأجمعوا أن شخصًا قُتل، واختلفوا من كان."

فهنا وقع الاشتباه بأي اعتبار؟ أُلقي الشبه فوقع اشتباه، حصل الأمران، والحافظ ابن كثير يقول في قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ [النساء:157]: "يعني بذلك: من ادعى قتله من اليهود، ومن سلمه[4] إليهم من جهال النصارى، كلهم في شك من ذلك، وحيرة، وضلال، وسعر، ولهذا قال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ"[5].

وقال ابن جرير: "يعني: أنهم قتلوا من قتلوه على شك منهم فيه، واختلاف؛ هل هو عيسى، أم غيره؟"[6] فهم على اختلاف أقوالهم، وتفرقها على شكٍ، فأطلق الله ذلك، فعمَّ جميع طوائفهم المنحرفة، ليسوا على يقين.

"إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء:157] استثناءٌ منقطعٌ؛ لأنّ العلم تحقيق، والظن تردّد."

استثناء منقطع هذا عند الجمهور، على قول الجمهور، يقول: بمعنى لكن كما عرفنا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء:157] باعتبار أن الاستثناء المتصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، لكن الظن اتِّبَاعَ الظَّنِّ ليس من العلم، فكان منقطعًا، يعني لكن اتباع الظن حاصلٌ لهم، هذا المعنى.

"لأنّ العلم تحقيقٌ، والظن تردّد، وقال ابن عطية: هو متصلٌ إذ الظن، والعلم يجمعهما جنس المعتقدات[7]."

لكن هذا بعيد - والله أعلم - ليس من الظن، والله قابل بينهما: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء:157] إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:32] والعلم هو إدراكٌ للشيء على ما هو به كما يُقال.

 

"فإن قيل: كيف، وصفهم بالشك، وهو تردّدٌ بين احتمالين على السواء، ثم، وصفهم بالظنّ، وهو ترجيح أحد الاحتمالين؟"

فالجواب: أنهم كانوا على الشك، ثم لاحت لهم أماراتٌ فظنوا، قاله الزمخشري[8] وقد يُقال: الظن بمعنى الشك، وبمعنى الوهم الذي هو أضعف من الشك."

لا حاجة لهذا الذي قاله الزمخشري؛ لأن مبناه على حدودٍ حُدَّت قد لا تتفق مع طريقة القرآن، القرآن جاء على معهود العرب بخطابها، ومناحي كلامها، هؤلاء يفرِّقون بين العلم، والظن، والشك، والوهم، أربعة أشياء، فالعلم هو الجزم بالمعلوم، وتيقنه من غير تردد فيه، والظن يقولون: هو طرف الرجحان، لكن لا يصل إلى اليقين، فاليقين علم، والظن غالب، والشك ما استوى فيه الطرفان، يعني لم يترجَّح شيء، والوهم هو الطرف الذي يقابل الظن، يعني الطرف المرجوح، يعني ما يكون نسبة مثلاً احتمال عشرين بالمائة هذا وهم، ثمانين بالمائة هذا الظن، خمسين، وخمسين شك

والوهمُ والظنُّ وشكٌّ ما احتَمل لراجحٍ أو ضِده أو ما اعتدل[9]

هذه في طريقة اللف، والنشر كما يقولون، وعلمٌ، وظن، ووهمٌ، وشكٌ ما احتمل لراجحٍ، ومثله، الظن للراجح، والمعتدل هو معتدل الطرفين هو الشك، والمرجوح هذا الوهم، لراجحٍ، وضده، ضد الراجح الوهم، مرجوح يسمونه، وهم، لكن القرآن ما جاء بهذه الطريقة، فيُقال: هنا يُفسر بمقتضاه، يُقال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء:157] كيف قال شك، وقال ظن؟ هو لم يسير على حدودهم شك إنهم خمسين خمسين، لا، وإنما شك يعني أنهم غير متيقنين من غير نظر إلى هذه النسبة المعتدلة، وإنما هم يظنون ظنًا، فهذا الظن يعني أنهم غير متيقنين، فليس هذا على طريقة أهل هذه الحدود التي أكثر ما يذكرها، ويُعنى بها أهل الكلام، بهذه التقسيمات، هذه النسب الأربع بهذه الطريقة ليس القرآن على هذا.

"وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] أي ما قتلوه قتلاً يقينًا، فإعراب يقينا على هذا: صفةٌ لمصدر محذوف."

فيكون نائبًا عن المفعول المطلق مَا قَتَلُوهُ [النساء:157] بعضهم يقول: الضمير يرجع إلى الظَّنِّ [النساء:157] يعني ما قتلوا ظنهم يقينا مَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] وهذا ظاهر كلام ابن جرير، يعني كأن معناه: ما حرروا المسألة، تقول: قتلت هذه المسألة بحثًا وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] ما قتلوا هذا الظن يقينا بالتحري، والبحث، والدراسة، ونحو ذلك التثبت حتى يصلوا على يقين، وإنما قالوا مقالةً أرسلوها من غير تثبت، وإنما جريًا مع ظنٍ أوجبه ما قاله هؤلاء اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه، وصلبوه.

"وقيل: هو مصدرٌ في موضع الحال."

موضع الحال يعني من، واو الجماعة في قَتَلُوهُ [النساء:157] حال من واو الجماعة وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] مصدر في موضع الحال وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا أي حال كونهم متيقنين قتله، وما قتلوه متيقنين، وهذا اختيار ابن كثير، يعني ما قتلوه متيقنين لقتله أنه عيسى، أو غير عيسى .

"وقيل: هو مصدرٌ في موضع الحال: أي ما قتلوه متيقنين، وقيل: هو تأكيد للنفي الذي في قوله: وَمَا قَتَلُوهُ [النساء:157] أي يتقين نفي قتله."

يعني يقول لهم: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] يعني كأن هذا حكم من الله  يعني تأكدوا من أنه ما قُتل بحالٍ من الأحوال، فهذا حكمٌ جازم أنهم لم يقتلوه، يعني يُتيقن نفي قتله، وعلى هذا منصوب على المصدرية.

وبعضهم يقول: منصوب بفعلٍ من لفظه حُذف للدلالة عليه، يعني ما تيقنوه يقينا، ويكون مؤكدًا لمضمون الجملة المنفية قبله.

"[في النسخة الخطية: أي: تيقن نفي قتله]."

وقيل: هو تأكيدٌ للنفي الذي في قوله: وَمَا قَتَلُوهُ [النساء:157] أي تقين نفي قتله.

جميع النسخ: تيقن نفي قتله.

تيقن تيقن مَا قَتَلُوهُ [النساء:157] تيقن نفي قتله، وهو على هذا منصوب على المصدر، تيقن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] أي تيقن نفي قتله.

  1. تفسير ابن كثير (2/448).
  2.  المصدر السابق (2/449).
  3.  تفسير الطبري (7/659).
  4.  [mk1] تراجع من الأصل
  5.  تفسير ابن كثير (2/449).
  6. تفسير الطبري (7/661).
  7.  تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) (2/134).
  8.  تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) (3/218).
  9. نشر البنود على مراقي السعود (1/62).