"يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:170] خطابٌ عام؛ لأنّ النبي ﷺ بُعث إلى جميع الناس".
فيما يتعلق بقول المعتزلة: "أن الله عالم بلا علم" باعتبار أنهم ينكرون الصفات، ولا يمكن أن يُتصور هذا "عالم بلا علم" ويقولون: بأن أسماء الله - تبارك، وتعالى - مثل: العليم، إنما هي أعلام، وأن هذه الأسماء لا تتضمن أوصافًا، وإنما هي أعلام محضة لا تتضمن أوصافًا، وأنها جامدة غير مشتقة، بخلاف أهل السنة، فإنهم يقولون: أسماء الله مشتقة، فهي تتضمن أوصافًا، فالعليم اسمٌ لله يتضمن صفات العلم، وهكذا سائر الأسماء، وهؤلاء يقولون: عالمٌ بلا علم، فينفون صفات العلم، ويثبتون الأسماء.
ومعلومٌ أن الجهمية المحضة - وكل هؤلاء من طوائف الجهمية - ينفون الأسماء، والصفات، ويقولون: كل ذلك مخلوق.
"فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء:170] انتصب خَيْرًا هنا، وفي قوله: انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء:171] بفعلٍ مضمرٍ لا يظهر، تقديره: ائتوا خَيْرًا لَكُمْ هذا مذهب سيبويه وقال الخليل: انتصب بقوله: آمِنُوا وانتَهُوا على المعنى وقال الفرَّاء: فَآمِنُوا إيمانًا خَيْرًا لَكُمْ فنصبه على النعت لمصدرٍ محذوف وقال الكوفيون [وفي النسخ الخطية: وقال بعض الكوفيين]: هو خبر (كان) المحذوفة، تقديره: يكن الإيمان خَيْرًا لَكُمْ".
قوله - تبارك، وتعالى -: فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء:170] يقول: "انتصب خَيْرًا [النساء:170] هنا، وفي قوله: انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء:171] بفعلٍ مضمرٍ، لا يظهر" أي: مضمر، وجوبًا، "تقديره: ائتوا خَيْرًا" فَآمِنُوا خَيْرًا أو فَآمِنُوا واقصدوا خَيْرًا فَآمِنُوا وأتوا خَيْرًا لَكُمْ أو فَآمِنُوا واقصدوا خَيْرًا لَكُمْ باعتبار أنه لمّا أمرهم بالإيمان فهو يريد إخراجهم من أمرٍ، وإدخالهم فيما هو خيرٌ منه، يريد إخراجهم من أمر، وهو الكفر، وإدخالهم في أمر آخر، وهو الخير؛ وذلك خيرٌ مما هم فيه.
يقول: "وهذا مذهب سيبويه" وبعضهم يقول: إنه منصوب على الحال من المصدر الذي تضمَّنه الفعل، والتقدير: فَآمِنُوا حال كون الإيمان خَيْرًا لَكُمْ يقول: "وقال الخليل: انتصب بقوله: آمِنُوا وانتَهُوا على المعنى" يعني ليس على اللفظ، يعني لم ينصبه لفظ آمِنُوا وانتَهُوا.
"وقال الفرَّاء: فَآمِنُوا إيمانًا خَيْرًا لَكُمْ فنصبه على النعت" يعني يكون خَيْرًا نعت لإيمانًا، لمصدرٍ محذوف.
"وقال الكوفيون: وهو خبر (كان) المحذوفة، تقديره: فَآمِنُوا يكن الإيمان خَيْرًا لَكُمْ" وهذا الذي اختاره الكسائي من الكوفيين واختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في التفسير، وكأن هذا أوضح.
لكن ضعَّفه بعضهم بأنّ (كان) لا تُحذف مع اسمها، دون خبرها؛ والمحذوف هنا: يكن الإيمان خَيْرًا فـخَيْرًا هو الخبر، وهو الذي بقي فقط، وحذف كان، واسمها، فيقولون: لا تُحذف مع اسمها دون خبرها، إلا فيما لا بد منه، يعني للضرورة.
ثم إن (يكن) المُقدرة هنا جواب شرط محذوف بهذا الاعتبار، فيكون المحذوف الشرط، وجوابه، والتقدير: إن تؤمنوا يكن الإيمان خَيْرًا فحُذف الشرط، وجوابه، وأُبقي معمول الجواب، وهو خَيْرًا فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء:170] إن تؤمنوا يكن الإيمان خَيْرًا لَكُمْ هكذا قال هؤلاء المعترضون - والله أعلم -.
"وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النساء:170] أي: هو غنيٌ عنكم، لا يضره كفركم."