الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَٰنٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [سورة النساء:174-175].
يقول تعالى مخاطبًا جميع الناس، ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم، وهو الدليل القاطع للعُذْر، والحجة المزيلة للشبهة؛ ولهذا قال: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا [سورة النساء:174] أي: ضياءً واضحاً على الحق، قال ابن جُرَيج وغيره: وهو القرآن.

مرات الإستماع: 0

"قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ [النساء:174] هو القرآن، وهو أيضًا النور المبين، ويحتمل أن يريد بالبرهان الدلائل، والحُجج، وبالنور النبي ﷺ ؛ لأنه سمّاه: سراجًا".

قوله - تبارك، وتعالى -: جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء:174] قال: "هو القرآن، وهو أيضًا النور المبين" فيكون ذلك من باب ذكر أوصاف القرآن: أنه مُنزَّل، وأنه برهان، وأنه من الله، وأنه نورٌ ومبين، بيِّنٌ في نفسه، ويُبين أيضًا الحق، ويُجليِّه، فلا يدع في الحق لبسًا.

يقول: "ويحتمل أن يريد بالبرهان الدلائل، والحُجج، وبالنور النبي ﷺ لأنه سمّاه: سراجًا" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174] هذا يؤيده أن التأسيس مُقدَّمٌ على التوكيد، يعني إذا كانت اللفظة الثانية، أو الجملة الثانية تأتي بمعنًى آخر جديد، فهو أولى من القول بأن ذلك يكون من باب التوكيد، وذكر الصفات للموصوف الواحد؛ ولذلك بعض أهل العلم يقولون: بأن البرهان هو الدلائل، والحُجج، والنور: الضياء، وهو القرآن، لا سيما أنه عبَّر عنه بالإنزال، فيكون جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء:174] الحجج الواضحة الدالة على الحق، والنور هو القرآن أَنزَلْنَا لأنه جاء معه الإنزال، وهذا أقرب مما ذكره المؤلف - والله أعلم - ويؤيده الأصل الذي ذكرته: أن التأسيس مُقدَّمٌ على التوكيد، وبين المعنيين ملازمة، فإن البرهان الذي أنزله الله لا شك أنه مُضمَّنٌ أيضًا في القرآن، فالقرآن فيه من البراهين، والحجج الدالة على الحق من، وحدانية الله وصدق ما جاءت به الرسل - عليهم الصلاة، والسلام - الشيء الكثير، كما هو معلوم، والله تعالى أعلم.